رياح وأوتاد: عمل المجلس بين سؤال مطروح وأجوبة مشروعة
لا يمكن القبول بالقول إن ما يقوم به الأعضاء هو عمل سياسي وذلك لتبرير عدم الخضوع للدستور واللائحة لأن هذا القول يخالف النظام الدستوري لدولة الكويت، ويناقض القسم الذي أقسمه الأعضاء قبل بداية عملهم في المجلس، كما يناقض العقد الذي ألزموا به أنفسهم عندما رشحوا لعضوية مجلس الأمة.
هناك سؤال محير وهو: لماذا يقوم بعض أعضاء مجلس الأمة بكل هذه المواقف التي تتصف بالتصعيد الشديد منذ البداية والغضب العارم إلى حد الوقوع في مخالفات للدستور واللائحة الداخلية للمجلس؟ وإذا كان الجواب هو عدم الرضا بالتشكيل الحكومي، حيث نص الاستجواب الذي قدموه على الاعتراض على التشكيل الحكومي (المحور الأول) ورفض تصويت الحكومة في انتخابات اللجان (المحور الثاني)، فالجواب أن إجراءهم هذا يتعارض مع الدستور ومذكرته التفسيرية الملزمة للمادة (57)، حيث بينت أن: "تشكيل الحكومة على النحو الذي يرتئيه أمير البلاد على أن يكون هذا التعيين نهائياً وغير معلق على إصدار قرار من المجلس بالثقة في الحكومة الجديدة"، وأيضاً ينص الدستور على أن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة مادة (80) ولهم حق التصويت على كل قرارات المجلس عدا قرار طرح الثقة في الوزراء.وقد كان بإمكان الأعضاء استجواب الوزراء واحداً تلو الآخر تحقيقاً لهذا الاعتراض دون الوقوع في مغبة هذه المخالفة الدستورية، فلماذا القفز إلى رئيس الوزراء مباشرة؟ وهل سيخدم البلاد إبعاده عن السلطة؟ وكيف؟ ومن المستفيد؟ كما أن الكلام بدون إذن الرئيس مع التجول في القاعة وإغلاق مكبر الصوت لمنع الأمين العام من الكلام مخالفات واضحة للائحة، وكان يمكن الاستعاضة عنها بترتيب أمور المعارضة حسب القانون وتقديم طلبات المناقشة العامة، أو بإصدار قرارات برلمانية صحيحة لا غبار عليها بالأغلبية المتوافرة لديهم، أو بإقرار تشريعات لتعديل القوانين بحكمة وروية. وإذا كان السبب هو عدم القبول بانتخاب الرئيس، فالجواب هو: يمكن الذهاب للمحكمة الدستورية لحسم هذا الموضوع، كما تم ذلك في انتخابات رئاسة مجلس 1996 بين الخرافي، رحمه الله، والسعدون، وكما قام بذلك أيضاً الأخ جمعان الحربش حيث طعن في انتخابات نائب الرئيس في المجلس الماضي بدون تصعيد أو مخالفة للدستور والنظام.
وهل من اللائق عدم التصديق على المضبطة بعد أن قاموا فيها بانتخاب أعضاء المكتب واللجان، وحضروا اللجان التي رشحوا فيها وتم انتخاب كثير منهم لرئاستها؟ وإذا كان السبب هو أعمال الشغب والاعتداءات اللفظية التي قام بها الجمهور فإن الجواب أن المجلس قد تعامل عدة مرات مع أحداث مشابهة، وكان الرئيس في أغلب الأحيان يأمر بإخلاء القاعة من الجمهور مثلما حدث عندما شتمت امرأة بعض النواب بالاسم، وفي مرة قام الرئيس السعدون في مجلس 92 بإحالة أحد الصحافيين إلى سلطات التحقيق مباشرة على إثر مشاجرة مع أحد النواب، وكذلك ذكرني صديقي العزيز أحمد (بوبراك) بأنني تعرضت للشتم من أحد الحضور في جلسة معينة، فقمت بالشكوى عليه ثم تنازلت عنها بعد زيارة قام بها إخوته إلى ديواني المتواضع. وإذا كان السبب هو عدم قبول رئيس الجلسة (الشحومي) طلبات التحقيق التي قدمها بعض الأعضاء للتحقيق مع الموظفين والجمهور في أحداث جلسة الافتتاح، فالجواب أن هذه الطلبات تخالف قانون اللائحة، لأن التحقيق مع موظفي المجلس واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجمهور من صميم عمل الرئيس ومكتب المجلس وفقاً للمادة 30، وذلك خلافاً لطلبات التحقيق المكفولة لأعضاء المجلس في أعمال الحكومة، ولكن هذا لا يعني أن تذهب هذه الطلبات سدى، إذ إنه يمكن لأي نائب أن يتقدم بالشكوى إلى النيابة من تلقاء نفسه أو بالاشتراك مع زملائه من النواب كما بينت أعلاه إذا تخلف مكتب المجلس عن واجبه، ولا شك أن الإساءة للنواب وأعمال الشغب في المجلس مرفوضة مهما كانت أشكالها ومن قام بها. وإذا كان السبب هو ذلك الضغط الذي تشكله وسائل الاتصال والذباب الإلكتروني فإن على الأعضاء أن يتلمسوا الأسلوب الدستوري السليم، ويستأنسوا بالآراء المتخصصة المحايدة، وألا يخضعوا لوسائل وضغوط غير معلومة، أو يغلب على أكثرها الافتقار إلى الخبرة والفقه السياسي والدستوري. ولا يمكن القبول بالقول إن ما يقوم به الأعضاء هو عمل سياسي وذلك لتبرير عدم الخضوع للدستور واللائحة لأن هذا القول يخالف النظام الدستوري لدولة الكويت، ويناقض القسم الذي أقسمه الأعضاء قبل بداية عملهم في المجلس، كما يناقض العقد الذي ألزموا به أنفسهم عندما رشحوا لعضوية مجلس الأمة، مما يجعل مجرد الاحتجاج به عبارة عن انقلاب على النظام الدستوري في البلاد، مما يؤدي الى الفوضى الشاملة إذا مارسه كل من يعترض على أي إجراء خطأ. وإذا كان السبب هو الدفع باتجاه حل مجلس الأمة، فهل يضمن الأعضاء عودتهم أو عودة أغلبيتهم إلى المجلس الجديد، خصوصاً بعد الاستغراب والاستياء الذي شهدناه من قبل كثير من المراقبين بعد عمل شهر واحد لهذا المجلس؟ وهل يضمن الأعضاء عدم عودة مرزوق للرئاسة لا سيما بعد فشل عملية الباركود التي شملت أكثر من أربعين عضواً؟ وأيضاً ألا يجدر بالأعضاء سلوك الطريق الدستوري السليم إذا أرادوا حل المجلس؟ وإذا كان السبب هو انتشار الفساد وتخلف التنمية ومصالح المواطنين وعجز الميزانية فإن هؤلاء الأعضاء أمام فرصة ذهبية وبيدهم زمام الأمور الآن وأغلبية مساندة ودستور مليء بالصلاحيات التي يمتلكون بها قدرة هائلة على إصلاح القوانين وتحريك المسؤولية السياسية والجنائية عبر لجان التحقيق وغيرها لمحاربة الفساد وحماية مصالح المواطنين، وزيادة مساهمة التجار في دخل الدولة حسب اقتراح غرفة التجارة وإقرار التشريعات الإسلامية، فلماذا إذاً إعراض النواب عن جميع هذه الأدوات الميسرة والفعالة واللجوء إلى أداة وصفها الدستور أنها (نادرة الاستعمال) ويعرضون أنفسهم "لخوض معركة انتخابية مريرة" حسب وصف الدستور أيضاً. ولما كانت جميع هذه الأجوبة غير مقنعة للإخوة الأعضاء فيبقى السؤال الذي نسمعه من الكثيرين مطروحاً، وهو: لماذا، إذاً يقوم بعض الأعضاء بكل هذه الأمور مع وجود كل البدائل المشروعة عنها؟ ومن المستفيد، خصوصاً مع كثرة الإشعاعات حول ترتيب بيت الحكم؟
أحمد باقر
على الأعضاء أن يتلمسوا الأسلوب الدستوري السليم ويستأنسوا بالآراء المتخصصة المحايدة وألا يخضعوا لوسائل وضغوط غير معلومة