أفرزت الأحداث الخطيرة يوم الأربعاء 6 يناير 2021، والهجوم الذي تعرض له مبنى الكونغرس الأميركي عدة مواقف ونتائج، وأثرت في رمزية الكونغرس الأميركية ومكانته لدى الأميركيين وغير الأميركيين، وفتحت المجال واسعا لنقاشات قانونية، واجتماعية، وإعلامية.ومن أهم المواقف والنتائج التي لفتت النظر دور نائب الرئيس الأميركي دستوريا وقانونيا، ولعلنا نذكّر بهذه المناسبة ببعض معالم هذا الدور في العقود الأخيرة من التاريخ الأميركي، وبخاصة بعد أن قاد نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس عملية تصديق الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ، وفي يوم الأحداث الخطيرة نفسه، على فوز المرشح جو بايدن بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
نجح خمسة نواب للرئيس الأميركي بالوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية وهم: هاري ترومان (1945-1953)، وليندون جونسون (1963-1969)، وريتشارد نيكسون (1969-1974)، وجيرالد فورد (1974-1977)، وجورج هـ. دبليو بوش (2001-2009)، في مقابل أربعة نواب رئيس لم يحالفهم الحظ وكان آخرهم آل غور عام 2000.ولم يعتد الناخب الأميركي، وحسب ما هو متداول، أن يأخذ بعين الاعتبار شخصية نائب الرئيس وهو يدلو بصوته لانتخاب الرئيس الأميركي، ولكن بعض الأمثلة أثبتت عكس ذلك من بينها تعزيز فرص المرشح جون كيندي باختياره لليندون جونسون كنائب للرئيس، وفرص كلينتون باختيار آل غور، وفرص أوباما باختياره جون بايدن. في الوقت الذي أضعف اختيار دان كويال حظوظ إعادة انتخاب جورج هـ. دبليو بوش عام 1993، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سارة بالين التي أضعفت حظوظ انتخاب جون ماكين في مواجهة أوباما عام 2008.ويجب أن نشير أيضا إلى أن منصب نائب الرئيس الأميركي قد تطور كثيرا خلال العقود الأخيرة، وهو ما يخرج عن المألوف في الحياة السياسية الأميركية، وخير مثال الدور الذي أداه نائب الرئيس ديك شيني إلى جانب الرئيس جورج دبليو بوش (2001-2009) بفضل خبرة تشيني السياسية، والذي عمل بجانب رئيس جديد يخطو خطواته الأولى في مجال العلاقات الدولية، كما لم يكن لتشيني، حسب المؤرخين، أي مطامح سياسية، ولم يشكل بالتالي أي خطر على رئيسه، وهذا ما ساعده في تأدية أدوار عدة. وستذكر كتب التاريخ هذه الأدوار التي أداها تشيني خلال ثماني سنوات في المجالات العسكرية، والاقتصادية، والمالية، والداخلية أيضا.وبالعودة إلى نائب الرئيس الحالي مايك بنس، نذكر بأن الدستور الأميركي لم يوكل إلى نائب الرئيس الأميركي أي مهام محددة، ولكن هذا النائب هو رئيس مجلس الشيوخ الأميركي، وهو منصب شرفي بالدرجة الأولى، ولا يحق له أن يصوت إلا إذا تعادلت أصوات هذا المجلس المكون من 100 عضو، وعندها يدلي بصوته ليرجح كفة على كفة أخرى، كما بإمكانه تفعيل تطبيق المادة 25 من الدستور الأميركي، وهو ما رفض بنس، حتى تاريخه، القيام به بعد الأحداث الخطيرة التي عصفت بمبنى الكونغرس الأميركي وبمن وما فيه. لقد تم انتخاب جون بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، بعد انقضاء أربع سنوات على منصبه كنائب للرئيس السابق باراك أوباما (2008-2017)، ولا شك أن اختياره لكاميليا هاريس سيدة من أصول إفريقية-أميركية، وآسيوية-أميركية (تعود أصول والدها لجاميكا، وأصول والدتها للهند)، قد عزز في نظر الكثير من المراقبين فرصة انتخابه، ولعل سعيه إلى تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية الأميركية، واختياره هذه السيدة، واختياره لاحقا عدة سيدات أميركيات لشغل مناصب وزارية وإدارية مهمة، قد ميزه كمرشح، وفتح صفحة أخرى في التاريخ السياسي والاجتماعي الأميركي المعاصر، ولو أن المرشحة السابقة للرئاسة الأميركية هلاري كلنتون قد سعت منذ سنوات لتحريك الأوضاع والخروج عن المألوف، وترشحت لشغل أعلى منصب سياسي في الولايات المتحدة، ولكن الناخب الأميركي اختار قبل أربع سنوات رئيسا انشغلت وستنشغل الصحافة بسنوات حكمه وبأحداث هذه السنوات طويلا، وخصوصا بعد ما حدث في الأسبوع الأول من هذا الشهر، ناهيك عن المؤرخين الذين عندهم الآن مادة خصبة وغنية للكتابة عن هذه السنوات التي تركت آثارا كثيرة على الحياة الدستورية، والقانونية، والاقتصادية، والاجتماعية للولايات المتحدة الأميركية.* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا
مقالات
نائب الرئيس الأميركي... أي دور يمكن أن يؤديه؟
12-01-2021