حدد فوز الحزب الديمقراطي في جولات الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ في جورجيا، الأسبوع الماضي، مكان الرئيس دونالد ترامب في تاريخ الاستحقاقات المهمة، ورغم ما كُتب عن قدرته على تحقيق انتصارات يظهر سجله الفعلي يُظهر شيئاً مختلفاً إلى حد كبير، وأدى لخسارة تاريخية لحزبه الجمهوري على المستوى الفدرالي في فترة قصيرة مدتها 4 سنوات، نادراً ما حدثت في التاريخ الأميركي الحديث، بحسب شبكة "سي إن إن".

وعندما يؤدي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية في 20 الجاري، تبقى الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن الحزب الجمهوري لن يسيطر بعد الآن على البيت الأبيض أو مجلس الشيوخ أو مجلس النواب.

Ad

واعتبرت "سي إن إن" أن هذا يعد انعكاساً حاداً منذ دخول ترامب البيت الأبيض في عام 2017، عندما كان الجمهوريون هم من يسيطرون على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب.

والبدء بالسيطرة على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب معاً، وفقدان السيطرة على واحد أو اثنين منهما ليس بالأمر غير المعتاد لرئيس بعد فترة ولاية واحدة، لكن خسارة الثلاثة معا شيء مختلف تماماً.

وفي الواقع، لا يوجد سوى تشابه تاريخي واحد آخر منذ بدء انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ شعبياً، في عهد الرئيس هربرت هوفر منذ ما يقرب من 90 عامًا، عندما عانت رئاسته خلال بدايات الكساد الكبير.

وبعد هوفر، لم يشهد أي رئيس في العصر الحديث فقدان حزبه السيطرة على البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ بعد فترة ولايته الأولى في منصبه.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن ترامب دخل البيت الأبيض مع سلف ديمقراطي - هوفر، من ناحية أخرى، سبقه جمهوري آخر في المنصب - في كثير من الأحيان، يجد الرؤساء الذين سبقهم رئيس من الحزب نفسه صعوبة أكبر في الفوز بإعادة انتخابهم. ترامب، على عكس هوفر، ليس لديه هذا العذر.

إخفاقات ترامب

وبالرجوع إلى الوقت الذي لم يتم فيه انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بشكل شعبي (قبل التعديل السابع عشر) للعثور على أي أمثلة لإخفاقات ترامب، وهم نادرون في ذلك.

ويمكن ربط مشاكل انتخاب الحزب الجمهوري مباشرة بترامب. وخسر مرشحوه في مجلس الشيوخ كل ولاية خسرها ترامب في 2020، باستثناء ولاية مين. وينطبق الشيء نفسه عند مقارنة نتائج انتخابات مجلس الشيوخ عام 2018 ونتائج 2020 الرئاسية أيضاً. وخسر مرشحو مجلس الشيوخ الجمهوريون كل ولاية خسرها ترامب في عام 2016 أيضًا. وبالنسبة للجمهوريين الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون الهروب من تراجع شعبية ترامب، لم يحدث ذلك.

في الواقع، في حين أن الكثيرين قد يجدون صعوبة في تصديق أن رئيسًا مثل ترامب ظل يتمتع بشعبية كافية للحصول على 74 مليون صوت، فإن سجله في مواجهة الناخبين يشير إلى خلاف ذلك. وتمكن ترامب من هزيمة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في أصوات المجمع الانتخابي، في حين خسر التصويت الشعبي في 2016.

وهذه المرة، خسر التصويت الشعبي مرة أخرى أمام بايدن، وأصوات المجمع الانتخابي أيضاً. إضافة إلى كونه حالة نادرة كرئيس يخسر إعادة انتخابه (وحتى أكثر ندرة كرئيس يخسر حزبه البيت الأبيض بعد فترة ولاية واحدة فقط)، فإن خسارة التصويت الشعبي مرتين أمر غير معتاد بالنسبة لأي رئيس منتخب.

وبات ترامب أول رئيس منتخب منذ بنيامين هاريسون في أواخر القرن التاسع عشر يخسر بهذه الطريقة. وكان جون كوينسي آدمز في عشرينيات القرن التاسع عشر هو الآخر الذي تم انتخابه رئيسًا وخسر التصويت الشعبي مرتين على بطاقة الحزب الرئيسية. خلاصة القول هي أن ترامب ليس خبيراً في الانتخابات، إنه خاسر تاريخي.

عزل ثان

وفي بداية أسبوع ربما ينتهي بتصويت قد يجعله الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الذي يُحاكم مرتين، بدأ الديمقراطيون أمس حملتهم لعزل ترامب من منصبه، وطرحوا مشروع قرار للتصويت عليه اليوم يطالب نائبه مايك بنس لأول مرة بتفعيل التعديل رقم 25 في الدستور لعدم أهليته للحكم.

وشددت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على أنه لا ينبغي ائتمان ترامب على استكمال فترة رئاسته، وأنها ستمضي قدماً في جهود إقالته لتحريضه الثابت على الهجوم العنيف على مبنى الكابيتول، مشيرة إلى مشروع قرار يدعو إلى اعتباره غير صالح للمنصب، وذلك بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور.

وفي رسالة إلى زملائها الديمقراطيين، قالت بيلوسي: "سنتحرك بسرعة حماية لدستورنا وديمقراطيتنا، لأن هذا الرئيس يمثّل خطراً وشيكاً عليهما معاً وبمرور الأيام، تشتد فظاعة اعتدائه المستمر"، موضحة أنه في حال لم يوافق نائب الرئيس مايك بنس، "فسنمضي في طرح تشريع العزل بتهمة التمرد" وحثّ أنصاره على اقتحام مبنى "الكابيتول".

واحتمالات نجاح الديمقراطيين في مسعاهم الأخير لعزل ترامب ضعيفة من غير دعم الحزبين. وحتى إذا وجّه مجلس النواب اتهاماً رسمياً له مرة ثانية، فلن ينظر مجلس الشيوخ في الأمر على أقل تقدير قبل 19 الجاري آخر يوم كامل سيقضيه في البيت الأبيض.

وستشغل محاكمة ترامب مجلس الشيوخ خلال الأسابيع الأولى من حكم بايدن، الأمر الذي سيحول دون المصادقة على تعيينات الوزراء والتحرك في الأولويات، مثل تدابير مكافحة فيروس كورونا.

وأوضح الرجل الثالث في ترتيب قيادات الديمقراطيين في مجلس النواب، النائب جيم كلايبورن، أنه من الممكن تفادي هذه المشكلة بالانتظار بضعة أشهر قبل إرسال ملف الاتهام الرسمي إلى مجلس الشيوخ.

وإذ اقترح كلايبورن "منح بايدن 100 يوم لمعالجة أكثر القضايا إلحاحاً، اعتبر زميله جو مانشين أن إجراءات العزل بعد 20 يناير "لن يكون لها أي معنى".

هدف جمهوري

وقبل أقل من 10 أيام من انتهاء ولايته، تزايدت الدعوات لترامب للاستقالة من معسكره الجمهوري لتجنب إجراء عزل صعب. وقال 4 فقط حتى الآن من النواب الجمهوريين علنا إنه لا ينبغي أن يستكمل أيامه التسعة الباقية.

فبعد عضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين بن ساس وليزا موركوفسكي، اعتبر السيناتور بات تومي أمس الأول أن استقالة ترامب "ستكون الحل الأفضل"، مبيناً أنه منذ خسارته الانتخابات في 3 نوفمبر "غرق في مستوى من الجنون، وارتكب أفعالاً لا يمكن تصورها ولا تغتفر".

وقال آلان كيتزينغر عضو مجلس النواب، وأول جمهوري دعا اعتباراً من الخميس إلى إعلان أن الرئيس "غير أهل" لشغل منصبه، "أفضل شيء لوحدة أميركا هو أن يستقيل".

لكن إطلاق إجراء "عزل" للمرة الثانية بعد اتهامه في نهاية 2019 بالطلب من دولة أجنبية، (أوكرانيا)، التحقيق حول منافسه بايدن، وتمت تبرئته في مجلس الشيوخ مطلع 2020، سيترك بصمة لا تمحى على أداء ترامب، إذ لم يتعرّض أي رئيس أميركي في السابق لهذه الإهانة، فضلاً عن خسارة العديد من المزايا المادية، التي تشمل الراتب التقاعدي ونفقات سفر، والمعنوية ومنها حق توفير الحماية وغيرها، وأهمها أحقية الترشح مجدداً للرئاسة.

ونقلت شبكة "سي بي إس نيوز" عن مصادر في الإدارة أن ترامب لا ينوي الاستقالة، ولا يشعر بأي ضغط يحمله على ذلك، مبينة أنه سيقوم ببعض المهام، ومنها زيارة الحدود مع المكسيك اليوم.

وذكرت الشبكة أن مسؤولي البيت الأبيض يدركون أن خصوم الولايات المتحدة في الخارج يستغلون الأحداث العنيفة في دعايتهم، وأن فريق الأمن القومي يراقب التهديدات المحتملة.

وكرست أحداث "الكابيتول" القطيعة بين ترامب ونائبه الوفي، ولم يتحدث الواحد إلى الآخر، وفقاً للصحافة الأميركية، منذ ذلك اليوم الذي أدى إلى سقوط 5 قتلى بينهم شرطي، وأثار صدمة في أميركا وذهولاً في العالم.

وقال النائب الجمهوري آدم كينزينجر، لشبكة "ايه بي سي" إن "أحد أقرب الأوفياء لترامب بات الآن العدو الأول في العالم". وقبل تغيير المواقف منه، كان أنصار ترامب يشيدون بولاء بنس ومنتقدوه ينددون بتملقه له.

وخلال اقتحامهم "الكابيتول"، اتهم ترامب بنس بفقد الشجاعة لفعل ما كان يجب أن يفعله. وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حشداً لأنصاره يهتف: "شنق مايك بنس" خارج مبنى الكابيتول. وسار نشطاء آخرون في أروقة صرح الديمقراطية وهم يرددون أن نائب الرئيس "جبان"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

من ناحية ثانية، قررت عدة شركات كبرى من بينها ماريوت إنترناشونال وجيه. بي. مورغان تشيس تجميد تبرعاتها لنحو 150 جمهورياً صوتوا معترضين على فوز بايدن.

وفيما تدرس شركات أخرى الاقتداء به، أعلنت لجنة العمل السياسي في بنك جي بي مورغان، الأكبر من حيث حجم الأصول، وقف كل المساهمات المالية لزعماء جمهوريين وديمقراطيين لستة أشهر على الأقل.

وقالت مجموعة ماريوت انترناشونال العملاقة في قطاع الفنادق والضيافة إنها ستوقف التبرعات "للذين صوتوا ضد التصديق على الانتخابات".

وقالت جمعية بلو كروس بلو شيلد لشركات التأمين الصحي إنها أعلنت الجمعة عزمها تعليق جميع المساهمات لمصلحة "أولئك المشرعين الذين صوّتوا لتقويض ديمقراطيتنا".