«السرد في قصيدة النثر العُمانية» يثري المكتبة العربية
الناقدة عزيزة الطائي تحتفي بصدور كتابها الجديد
احتفت الأديبة والناقدة العمانية د. عزيزة الطائي بصدور كتاب جديد لها قبل أيام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بعنوان "السرد في قصيدة النثر العمانية... أشكاله ووظائفه"، وتتطرق فيه إلى العلاقة بين السرد والشعر، ويعد هذا الكتاب إضافة مهمة تثري المكتبة النقدية العربية عموماً، والعمانية على خصوصاً.
في مقدمة كتاب "السرد في قصيدة النثر العمانية.. أشكاله ووظائفه" شرحٌ وافٍ لتلك العلاقة المتشابكة بين السرد والشعر، حيث تقول عزيزة الطائي إنه "انطلاقًا من اهتمامنا بالسّرد العُماني، واشتغالنا على نماذج منه طوال سنوات مضت، تشكل تساؤل عند دراستنا للأجناس السّردية مفادها أنّ السّرد، وعلى خلاف ما راج في الدّراسات الإنشائية المعاصرة عن طبيعة النّثرية وافتراقها عن قوالب الشّعر، وأنّ النّثر ليس قابلًا للانصهار في البنية الشّعرية، أو الخضوع لمقتضاياتها فحسب، بل إنّه يغدو – أي السّرد- بنية يستند عليها الشّعر لبلورة موضوع مادته عند صناعة الصّورة الشّعرية، وإنتاج الحكاية الشّعرية".وتتابع الطائي: في القرنين التّاسع عشر والعشرين طغى نظام جديد للأجناس الأدبية "فغدت الملحمة شعراً موضوعياً، والقصائد الغنائية شعراً ذاتياً، والدّراما شعراً موضوعياً ذاتياً". ومن خلال تلك العلاقات المتمازجة التّفاعلية في الخطاب الأدبي ظهرت "نسبة من السّرد متضمنة في الخطاب، ومقدار من الخطاب في السّرد".وتشير الناقدة العمانية إلى أن هذا التّداخل الذي تناوله الباحثون بأهمية بالغة عند تحليل الخطاب يقود إلى فاعلية السّرد بوصفه "عنصراً في أنواع الخطاب وتجلياته"، مضيفة "أنّ اهتمامنا انصبّ على تسريد الخطاب في قصيدة النّثر في عُمان بين الحكي الشّعري وشعرية الحكي مستندين على تجارب كتابية لمجموعة من شعراء النّثر تعيد بناء مفاهيم شعرية جديدة متحررة من القالب الشّعري التّقليدي القديم، مستنطقة الأجناس الأدبية، بهدف تأسيس حضورٍ شعريٍّ تجريبي حداثي خاصٍ بها. حتى غدت قصيدة النّثر تتمازج في حركية تفاعلية بين الشّعري والسّردي بقالبٍ رصينٍ، مراهنةً على إعادة بناء روابط القصيدة بالذّات والمجتمع والتّاريخ والإنسانية جمعاء من أجل ترسيخ حضورها بفاعليةٍ جوهريةٍ تعيد لها اعتبارها باختلاف الذّوات النّاطقة، وتنوع النّصوص في تمظهراتٍ حكائيةٍ متناسقةٍ مع أنساق العلاقات والتّناصّات والمتضادات والخطابات المتباينة في المتن الشّعري المبني على النّسق السّردي.
والحقيقة أنّ جمالية قصيدة النّثر لا تكمن في شكلها، بل في جوهرها القائم على "الصّراع بين حرية النثر والصّرامة المنظمة للقصيدة، وبين الفوضى المدمرة والفن للأشكال، وبين الرغبة في الهروب من اللغة وضرورة استخدام اللغة"، وهي بهذا تتأسس على اتجاهات مختلفة تسعى فيها الرّوح الشاعرية إلى تحطيم الشّكل الشّعري، وصناعة الشّكل الجديد في آن واحد؛ للوصول إلى "المجهول والمطلق" في قصيدة النثر. ففي النّصف الأول من القرن العشرين بدأت تظهر"أشكال تمرد ومحاولات تحرر أكثر جرأة، إذ أصبحت الرّمزية هي الشكل الشعري الأول في مسألة العلاقات بين النثر والشعر"، ومثل هذه الظاهرة وجدناها عند شعراء النّثر في عُمان. ونحن نتناول هذه القضية تحضُرنا قضيتين ناقشهما "ت. س. إليوت T.S.Eliot"، الأولى، وجوب اقتراب الشعر من لغة الكلام، والثانية، حاجة الأشكال الشعرية إلى التجديد المستمر. وهذا يقودنا إلى أنّ الشعر الجديد بدأ يجدد نفسه، ويطور من محتواه بأشكالٍ متنوعةٍ وقضايا جديدةٍ وأحداثٍ واقعية؛ الأمر الذي يفتح أمام المتتبع تطور ثيمات الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث. ويلحظ تغير بنية القصيدة وتشكّلها حسب ظروف الحياة بتعقيداتها وبساطتها. وهذا ما أحدثه الشّعراء من ثورة على بنية القصيدة العربية، فمن قصيدة التّفعيلة إلى قصيدة النّثر. "وهذه الإباحة الواحدة في حدّ ذاتها قد مكّنت الشّاعر من تحررٍ كبيرٍ، وأطلقته في ميادين واسعةٍ ما كان يستطيع ولوجها في نطاق الشّكل القديم ذي الحدود الضيّقة". فعندما تخلّص الشّعراء من قيود الشّعر القديم، وتحرّروا من قوالبه استطاعوا أنْ يتقرّبوا أكثر من ملامسة الحياة النّابضة بالقضايا والوقائع والأحداث، وأنْ يلتقطوا الكثير من صور الحياة، ويقتنصوا مجموعةً من التّجارب المتدفّقة والحيّة الزّاخرة بتجارب المهمش والبسيط. فصار الشّاعر يُنَظّم صوره في وحدة متكاملة تفوق ما هو في الواقع المعيش فتتسع صور العالم في ذهن الشّاعر، وتمتد ذاته إلى رؤية الأشياء من حوله، بل يحيا لما هو إنساني، فتستثيره تفاصيل الأشياء وتقترن ألفاظه بإيحاءات قوية، ذات دلالات متعددة لها إشعاعاتها الباهرة المتحصلة من اللاشعور. وتضيف المؤلفة: تولّدت رغبتنا في بحث هذه القضية من رأيٍ تحصل لدينا عند متابعتنا للمُنجز الشّعري في عُمان، ومواكبته لمنجز الشّعر العربي المعاصر بأنواعه وتطوره؛ لاسيما في نماذجه التي ساهمت في بناء شعرية مختلفة للّتي كرّسها الأسلاف المباشرون لتأسيس حركة قصيدة النثر منذ بداية الخمسينيات وحتى مطلع التسعينيات على يد روّادها؛ نضيف مؤسِّسَين عمانيَّين هما: سماء عيسى وسيف الرحبي، ويتمثل هذا الرأي الذي خرجنا به في أنّ النزوع إلى تسريد الخطاب الشّعري الحداثي في الممارسة الشعرية المقاربة عند نظمها أدّى إلى تجديد الأساليب الفنية، بل إنه أسهم بدور بارز في ذلك، وهو ما أفرز بالتدريج شعرية مغايرة للنّماذج السّائدة في المنجز الشّعري لقصيدة النّثر في عُمان.إنّ توظيف الشّعر للسّرد ظاهرةٌ ليست بجديدة، وتكاد تكون ثابتة في المدوّنة الشّعرية العربية قديمها وحديثها، كما إنّها حاضرةً أيضاً في أشعار الأمم الأخرى. ولقد أفضى بنا التّقصّي في تسريد قصيدة النّثر العُمانية إلى البحث في غِمار بدايات تشكلها، ورأينا أنّ ظهورها تزامن مع ظهور ريادتها عربياً، أي في بداية السبعينيات على يد سماء عيسى في ديوانه "امرأة مثل ماء الينابيع"، وتلاه سيف الرحبي في ديوانه "نورسة الجنون".وفي خاتمة الكتاب تؤكد عزيزة الطائي أن قضية تسريد القصيدة الشعرية ليست جديدة على الشاعر العماني، فقد نظم أسلافه قصائد طويلةً جسّدوا فيها الحكاية بأسلوبٍ سينمائي درامي، يعتمد على تمثيل الصور، وتوظيف الرمز الحكائي في قالبٍ إيقاعي منح القصيدة انسيابية السبك الإيقاعي، والوحدة العضوية للسرد.
أحمد الجمَّال
الشعر يستند إلى السرد لبلورة موضوع مادته عند صناعة الصورة الشعرية