اتق شر الحليم إذا غضب
الحلم من فضائل الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، خصوصاً من يتولى القيادة، سواء قيادة سياسية أو إدارية أو حتى في المنزل، فالأب سريع الغضب وهو رب الأسرة سيثير مشاكل مع زوجته وتربية أطفاله قد تؤدي إلى تفكك أسرته، لذلك حذر النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه من الغضب قائلا: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، الشديد بمعنى القوي، فالنبي يريد في هذا الحديث أن يصحح فكرا أو مفهوما شاع في الجاهلية، إذ كانوا يفتخرون بالقوة الجسدية، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يربي أصحابه على التروي والتؤدة، لأن الإنسان الغضوب إذا واجه أي مشكلة يفقد اتزانه ويتصرف كالمجنون، وقد يتخذ قرارات خاطئة ومضرة ثم يندم ولكن بعد فوات الأوان. والحليم لا يعني أنه لا يغضب أبداً، بل يستطيع أن يكتم غيظه، وقد يخطط لتوجيه ضربة قاسية لمن وجه له الإهانة، ولذلك يحذر الحكماء من شر غضب الحكيم، والشر لا يعني أنه سيتحول إلى شرير بل يعني أنه قادر على حماية نفسه وحقوقه، ولكنه يستعد لذلك، يقول النابغة الجعدي في مدح الرسول:
ولا خير في حلم إذا لم يكن لهبوادر تحمي صفوه أن يكدرا فالإنسان العاجز عن الدفاع عن حقوقه لا يستحق أن يسمى حليماً بل عاجزا وضعيفا، فهو غير صالح لتولي القيادة، ولو حاولنا تطبيق هذا المثل على واقعنا السياسي، وخصوصاً فيما يدور بين المجلس والحكومة من سجال وتجاذب فسنجد أن هناك مجموعة من الأعضاء الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة، وأطلقوا على أنفسهم (الأغلبية) يريدون فرض إرادتهم على الدولة. وبعد فشلهم في انتخابات رئاسة المجلس، إذ لم يتمكن مرشحهم من الفوز بالرئاسة، صعدوا تهديداتهم ضد الحكومة، فوصفوها بأنها حكومة تقف ضد إرادة الشعب، وقال أحدهم عبر وسائل الاتصال الاجتماعي مهدداً الحكومة، لتحمد الحكومة ربها، على وجود وباء منعنا من الوقوف في ساحة الإرادة لنطالب بإسقاط هذه الحكومة، اعتقادا منه أن الحكومة ضعيفة يمكن تخويفها بمثل هذه التهديدات. نرجو ألا تكون الحكومة كما يظنون، فمن الخطورة أن تحكم الدولة بحكومة ضعيفة عاجزة عن حماية قراراتها: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا فالحكومة الضعيفة خطر على الدولة، وإذا لبت المطالب التي يطالب بها النواب والتي أعلنوا أنهم تعهدوا لناخبيهم بها، كإسقاط القروض والعفو الشامل عن محكومين، واقتلاع لجنة الجهاز المركزي لبحث شؤون المقيمين في الدولة بصورة غير قانونية، فإن مثل هذه المطالب عرضت سابقا وتم رفضها، لأن تحقيقها ضار بمصلحة الدولة، ويهدد أمنها الاقتصادي والسياسي، فليس من حق النواب أن يتعهدوا بتحقيق مثل هذه المطالب الضارة، نأمل أن تكون الحكومة صارمة وحازمة للتصدي لمثل هذا العبث.