أشرت ﺇلى موضوع توزيع الثروات ومفهوم الضريبة البيئية في مقال نشر لي سابقا في جريدة "الجريدة" وبالتحديد في السادس من أغسطس 2020، فكما تفضل القائمون على الجريدة بقبول ذاك المقال للنشر وقد لاقى استحسان القراء كذلك ممن تواصل معي شخصياً، أرى أنه من الواجب عليّ أن أسهب في بعض المفاهيم المتعلقة في موضوع مهم وقريب لقلبي شخصياً ليستكمل المضمون من كل زواياه، فهذا الموضوع هو "العدالة البيئية" اصطلاحاً ومفهوماً تطبيقياً وعملياً. أنا شخصيا كنت ومازلت على قناعة بأن الإنسان هو عدو البيئة الأول والأخير، بشكل أو بآخر، وإن كنت أيضاً أرى أن الحياة وبطريقة مستدامة يمكن لها أن تستمر بشكل "هارموني" متناغم إذا ما استفاد الإنسان من الموارد الطبيعية بشكل صحيح وقلل (الإنسان) من بصمته الملوثة للبيئة من خلال تدخله الصناعي تارة واستنزاف الموارد بطريقة جنونية تارة أخرى، وهنا أشير أيضاً (ومرة أخرى) إلى التحذير الصارخ الذي نادى به المفكر "فريدريك انجلز، 1820-1895" وهو يحذر بصريح العبارة عن انتقام البيئة من الإنسان داعياً جموع العالم أن "لا تغتروا" بانتصاراتهم الصناعية على البيئة المحيطة بهم.
وهنا أزيد كذلك أن المفكر والفيلسوف الاقتصادي الشهير وهو أيضاً صديق انجلز "كارل ماركس" قد تطرق بالحدة نفسها للموضوع ذاته، وقد حذر العالم أجمع من انتقام البيئة إثر الاستغلال المفرط للأراضي الزراعية في إشارة واضحة في كتابه الأكثر شهرة "رأس المال، 1867" وكأنما الصديقان يضعان معاً أول قانون وإعلان لحماية البيئة على مستوى التاريخ الحديث نسبياً، وهنا أيضا وجب أن نضع الأمور في نصابها وأن نشرح ونفسر مالمقصود باصطلاح العدالة البيئية، وكيف له أن يتمم ما أسلفت به سابقاً فيما يخص الضريبة البيئية؟! من ناحية التعريف يمكن لنا وبإيجاز أن نعرف مفهوم العدالة البيئية وكما وصفها سابقاً "نجيب بيلو" بأنها منظومة القوانين العادلة ما بين الناس بغض النظر عن أعرافهم وأصولهم القومية أو مدخولهم، والتي تهدف إلى تطوير السياسات وتطبيق القوانين البيئية بشكل متساو بين الجميع. وها هنا يكمن السر الحقيقي للعدالة البيئية، وهو في الواقع عدم تحميل قطاع أو شريحة كادحة (بسيطة أو محدودة الدخل) دون غيرها، أي تبعات أو سوء استغلال أو سلبيات نحتاج أن نصلح من خلالها المنظومة البيئية دون غيرها من الطبقات، بل أنا شخصياً أزيد بأن من الطبيعي ومن واقع المسؤولية المجتمعية لكبار البرجوازيين وبالأخص من أصحاب رأس المال الصناعي أن يتحملوا هذا العبء دون غيرهم، أو على الأقل السواد الأعظم منه مساهمة مع الجهاز الحكومي. وأرجع ذلك لسبب فني دقيق ألا وهو تسبب هذا الاستثمار الرأسمالي بدمار البيئة، فمن البدهي أن يكون صاحب رأس المال (إياه) هو من يتحمل تلك التبعات والخسائر على المنظومة البيئية وبشكل مباشر، وهنا يطرح سؤال لعله مفيد لدولنا في العالم الثالث الريعي ذي الاقتصاد البترولي الخالص: أين يكمن (أو من الممكن أن يكون) تدخل الدولة في إنقاذ البيئة إذا ما كان هناك استفادة من أصحاب رؤوس الأموال بدورها تؤثر سلباً على البيئة؟! الإجابة ومن منظور العدل البيئي تكون بأن الدولة مسؤولة بأجهزتها الفنية كونها من أعطى الرخص والضوء الأخضر لتلك الممارسات، لكن وبطبيعة الحال ليس مطلوباً منها أن تتحمل العبء المادي لوحدها بل يكون على حسب تمازج دورها مع القطاع الصناعي خصوصاً إذا لم يكن ممتثلاً لقوانين البيئة والصحة العامة. طبعاً من يستغفل العامة والدولة ويدعي أنه يساهم في حماية البيئة وتقليل الملوثات وإعادة التدوير، وفي حقيقة الأمر هو عكس ذلك تماما وهي منه براء، فلعمري هو من أهم أسباب تأرجح كفتي ميزان العدالة البيئة. عزيزي القارئ، أي تطابق بين ما تم سرده والإشارة إليه وواقعنا هو محض مصادفة، فأنا أتكلم عن إقليم شمال جمهورية سوارستان الشعبوية لا دولة الكويت.
مقالات
العدالة البيئية
14-01-2021