لاحظت في الآونة الأخيرة انتشار الكثير من العبارات العامية في مختلف الإعلانات التجارية، سواء أكانت لوحات إعلانية في الشوارع العامة أم كانت إعلانات رقمية على شاشة الهاتف. يبدو أن الشركات تعمدت هذا الأسلوب الدعائي كي تكون أكثر قرباً من جمهورها الذي يستخدم اللهجة العامية في حياته اليومية، وهو أبعد ما يكون عن الفصحى، حيث إن الغالبية لا تقرأ!المدهش فعلاً هو اقتراف أخطاء إملائية فادحة و"تطبيعها" كشيء عادي، فـ"المهم أنكم عرفتونا" كما يقول أحد الإعلانات رداً على موجة الانتقادات التي تلقاها بعد نشره لإعلان سابق يحتوي خطأً إملائياً فادحاً. لم يعد أحد يفرق ما بين التاء المربوطة والهاء، أو حتى ما بين التاء المربوطة والمفتوحة في الكثير من الأحيان، أما التمييز بين همزة الوصل والقطع فأصبح من العلوم الغيبية!
السؤال هو: كيف ابتعدنا عن اللغة العربية كل هذا البعد؟ وكيف تشكلت تلك الهوة العميقة بين العامية والفصحى؟ وما مدى تأثير دخول اللغة الإنكليزية كلغة أولى– عوضاً عن العربية لدى الأجيال الجديدة- على هويتنا؟فلنبدأ أولاً بالاعتراف بالصعوبة الفعلية للغة العربية، فهي، بقواعدها المركبة وكلماتها اللامتناهية، تعتبر ثاني أصعب لغة في العالم بعد الصينية (وفقاً لموقع babble.com اللغوي)، فضلاً عن الاختلاف الهائل ما بين اللهجات في مختلف الأقطار. نأتي ثانياً لمناهج اللغة العربية التي كثيراً ما تُنفّر الطالب، فمواضيعها قديمة وغير مشوقة للجيل الجديد، فلا بد من خلق مناهج ممتعة مواكبة للعصر.ولا ننسى أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من هجمات إرهابية مختلفة جعلت الكثير من العرب والمسلمين يتحرجون من هويتهم وسط كل أصابع الاتهام البغيضة التي وجهها العالم عليهم، فاستبدل الكثيرون لغتهم بالإنكليزية واستعاروا هوية أخرى ممسوخة فأصبحوا غير قادرين على القراءة أو حتى التفكير بلغتهم الأم. وظهر فريق يرى عدم وجود حاجة حقيقية للغة العربية الفصحى وذلك بسبب ضعف المحتوى ومصادر المعلومات المتوفرة بالعربية مقابل توافر كل شيء يمكنك أن تتخيله بالإنكليزية، فهي لغة يساهم فيها كتاب من مختلف الثقافات والخلفيات حول العالم. لاضير من– بل إنه من الضروري- تعلم اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأخرى، فاللغة بوابة الشعوب وهي أداة تفكير قبل أن تكون أداة تواصل وتعبير، وهنا تكمن خطورة ضعفها وتآكلها، فبذلك سنفقد جزءاً كبيراً من هويتنا وستُخدش عدستنا التي نرى بها العالم.إذاً فإحياء اللغة مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، وبإمكاننا إنقاذ اللغة العربية عن طريق صناعة محتوى عربي ذي جودة عالية ومقاومة تلك الرغبة بتطعيم أحاديثنا بمصطلحات أجنبية، والإصرار على اعتماد الحوار بالعربية مع متحدثيها ومخاطبة أطفالنا بها وصنع مناهج دراسية جذابة وممتعة وبعيدة عن الملل والتلقين. لن يحدث ذلك بين ليلةٍ وضحاها، لذا فلنبدأ العمل الآن.
مقالات - اضافات
«إنته شلونك؟»
15-01-2021