وجهة نظر: الاستطلاعات الانتخابية وقراءة الفنجان
كنت أندهش من تحوّل بطولات كرة القدم الأوروبية والعالمية إلى عالم من الترفيه الذي يدار بطرق تجارية بحتة تتحرك خلالها آلاف المليارات من الدولارات هنا وهناك، لكن بعد أن فهمت (السالفة) بشكل معقول، وعلمت أن هذه الصناعة قد دخلت مراحل متقدمة من التنافس على إيجاد أسواق ترفيه لمتعة المشاهد والمتفرج دون الإضرار بنزاهة المنافسة وقانونية العمل، أصبحت من المعجبين بكرة القدم التجارية التي تتميز بأنظمة أكثر انضباطاً ودقةً، وبقوانين ولوائح وإجراءات أشد صرامة.وعاودني الاندهاش مرة أخرى في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة حين لاحظت كثرة الاستطلاعات والاستبيانات التي ظهرت شخوص بعض أصحابها بوضوح، واختفت بعض الشخوص خلف شبكات التواصل، وأذكر أن بعض المرشحين كان يقبع في اليوم الأول أو الثاني من الاستطلاع الإلكتروني بالمراكز الأخيرة وبأقل من عشرة أصوات أو عشرين صوتاً، ثم تصعد أرقامهم بالمئات ويرتقي ترتيبهم ضمن الأوائل في الدوائر، وحين استفسرت لاحقاً من بعض ذوي الاختصاص، أخبروني أن بعض الأرقام تباع وتشترى إما بشكل مباشر من خلال التواصل مع الموقع (على الخاص) في بعض الاستطلاعات، أو من خلال شراء الأصوات الافتراضية من بعض الحسابات المتخصصة للتصويت وبالطريقة نفسها التي يتم فيها شراء المتابعين في "تويتر".ورغم أن هامش الخطأ في أفضل هذه الاستطلاعات كان كبيراً، فإني أتوقع استمرار هذه الاستطلاعات وزيادة أعداد المكاتب والمؤسسات والمواقع الإلكترونية المعلومة والمجهولة في السنين القادمة، إذ من الواضح أن الحملات الانتخابية أصبحت تجارية بحتة في بعض جوانبها، والأموال المستثمرة فيها ضخمة أيضاً في الجانب نفسه، فأنا لا أشك أن بعض هذه الاستطلاعات ساهمت في إحاطة بعض المرشحين بهالة من التعظيم والتضخيم أدت إلى توجيه الانتباه الجماهيري لهم مما أدى إلى تقدمهم في المراكز، وحجبت انتباه الناس عن بعض المرشحين فساهمت بتراجع فرصهم، غير أن كسر هذه السيطرة كان واضحاً من بعض المرشحين الذين خالفوا توقعات المستطلعين ونجحوا، كما لم تستطع أن تقود بعض من دعمتهم أو توقعت نجاحهم الى الفوز فباؤوا بالسقوط رغماً عن هذه التوقعات.
ورغم أني كنت أحد المتوقعين أو قارئي الفنجان في الشهر الذي سبق يوم الانتخاب، شأني في ذلك شأن بقية المتوقعين وقراء الفناجين الذين جاؤوا من المعلوم والمجهول ليصبحوا من (أهل الكار)، فإن بعض توقعاتي كان قريباً من الصحة إن لم يكن صحيحاً، وقد ذكّرني أحد الأصدقاء قبل أيام بأحدها الذي (أعجبه) فاحتفظت ذاكرته به، وكان التوقع أن غالبية الذين ملؤوا الشوارع بالإعلانات لن ينجحوا في نيل عضوية المجلس إلا القلة، وغالبية الناجحين سيكونون ممن لم يملؤوا الشوارع بالإعلانات إلا القلة، فقلت له إذاً خذ أقوى توقعاتي وأهمها وأكثرها صحة على ما أعتقد، سيقوم الناخبون بأكبر عملية تصحيحية لمخرجات الانتخابات الحالية، حيث ستكون نسبة التغيير القادم قريبة من نسبة التغيير الأخيرة، دون أن يكون من الناجحين الجدد أحد من نواب مجلس 2016، على أن هذا التوقع حمّال للوجهين، أي أنه يقوم على قواعد قراءة الفنجان أو على الأسس العلمية للتوقعات، أو بمعنى آخر يمكنني أن أبرر التوقع في الوجهين.