وثيقة لها تاريخ: بريطانيا في عام 1939: حكومة فلسطينية عربية يهودية خلال عشر سنوات
في ظل ما ورد بالصفحات الأولى من "الكتاب الأبيض" البريطاني لعام 1939م، والذي أوضحناه في المقالات الأربع الماضية، سطرت الحكومة البريطانية خطتها لإرساء السلام في فلسطين، استناداً إلى ما طُلب منها في صك الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم. هذه الخطة بينتها الحكومة البريطانية، بعد أن قامت بإدارة فلسطين لمدة عشرين عاماً تقريباً، فهمت خلالها طبيعة المشكلة بين العرب واليهود، وجلست مع كل الأطراف مراراً وتكراراً، وراعت فيها مسؤوليتها الموضحة في صك الانتداب. الخطة البريطانية تحدثت عن الأمور التالية: طبيعة الحكومة الفلسطينية، وشكل تركيبتها، مدتها الزمنية، استقلاليتها، طبيعة العلاقات مع بريطانيا، متى يتم انتهاء الانتداب، دور كل طرف في الحكومة، إنشاء مجلس تنفيذي فلسطيني، الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بيع وشراء الأراضي، وغير ذلك من مواضيع مهمة هدفها إرساء دعائم دولة فلسطينية مستقلة يشترك فيها العرب واليهود بشكل عادل وسلمي تحت إشراف بريطانيا. لنتفحص بعض هذه البنود التي وردت في الكتاب الأبيض، فنشير أولاً إلى ما ذكرته حكومة الملك، من أن هدفها هو "أن تشكل خلال عشر سنوات حكومة فلسطينية مستقلة ترتبط مع المملكة المتحدة بمعاهدة تضمن للبلدين تطلباتهما التجارية والحربية في المستقبل ضماناً مرضياً، وهذا الاقتراح بتشكيل دولة مستقلة من شأنه أن ينطوي على التشاور مع مجلس عصبة الأمم بقصد إنهاء الانتداب". لكن الخطة البريطانية أوضحت أنه ينبغي قبل الشروع في تشكيل الحكومة المستقلة أن تكون هناك مرحلة انتقالية، لم تحدد مدتها، يتم خلالها إشراك أهالي فلسطين من العرب واليهود تدريجياً، وبشكل تصاعدي، في حكم البلاد.
يقول النص البريطاني: "يكون تشكيل الدولة المستقلة مسبوقاً بفترة انتقال تحتفظ حكومة جلالته خلالها بمسؤولية حكم البلاد. وفي أثناء فترة الانتقال يُعطى أهل فلسطين نصيباً متزايداً في حكومة بلادهم، وستتاح لكلا فريقي السكان فرصة الاشتراك في إدارة الحكومة...". كما أكدت الخطة البريطانية، أن مشاركة سكان فلسطين في إدارة الحكومة مرهونة بحالة الاستقرار واستتباب الأمن، موضحة أنها على استعداد لتسليم بعض الدوائر فوراً للفلسطينيين يساعدهم مستشارون بريطانيون على أساس خطة ترمي إلى تولي الفلسطينيين جميع دوائر الحكومة، بمساعدة المستشارين البريطانيين، وتحت إشراف المندوب السامي البريطاني. لقد أكدت الخطة البريطانية المنصوص عليها في الكتاب الأبيض لعام 1939، أنه سيسمح للعرب واليهود بتولي مناصب رؤساء الدوائر على أساس نسبة عدد سكان كل منهم، أي أن الغالبية العظمى ستكون للعرب يشاركهم بعض اليهود في إدارة الحكومة، ويستمر ذلك إلى حين تحويل المجلس التنفيذي إلى مجلس وزراء عندما تحين الفرصة وتكون الظروف مهيأة ومناسبة لذلك. نتوقف عند هذه النقطة، ونُكمل في المقال المقبل حديثنا عن مستقبل فلسطين كما بسطه كتاب بريطانيا الأبيض في عام 1939.