في تعبئة عسكرية غير مسبوقة داخل الولايات المتحدة وتفوق أضعاف عديد قواتها المنتشرة في العراق وسورية وأفغانستان مجتمعة، واصل الحرس الوطني نشر 20 ألفاً على الأقل من عناصره في واشنطن لتأمين مراسم تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 الجاري.ونقلت مجلة «بوليتيكو» عن مصادر بالحرس الوطني استعدادها لاحتمال مهاجمة مبنى «الكونغرس» بعبوات ناسفة، تزامناً مع الحفل الذي سيكون محدودا للغاية، بسبب قيود «كورونا».
وعلى غير العادة، رفعت وزارة الدفاع (البنتاغون) مستوى إجراءاتها الأمنية في محيط «الكابيتول»، وقررت تزويد أفراد الحرس الوطني المنتشرين في المكان بالأسلحة.وأظهرت صور وتسجيلات افتراشَ جنود الحرس أرضية أروقة «الكابيتول»، مع استدعائهم لتفادي تكرار مشهد اقتحام أنصار ترامب للمبنى.وشددت السلطات الإجراءات الأمنية حول مقر سكن نائب الرئيس مايك بنس، وفرضت طوقا أمنيا جديدا وحواجز إضافية، لم يسبق لها مثيل منذ أحداث 11 سبتمبر 2001.وأغلقت السلطات الطرق حول مبنى «الكونغرس»، ومنعت الجولات والزيارات في عدة مواقع بالعاصمة وطلبت رئيسة بلدية واشنطن ميريال باوزر من الزائرين الابتعاد عن المدينة.وتنظم قوات الأمن، التي أربكها اقتحام «الكابيتول» في 6 الجاري، عملية أمنية على مستوى جميع الولايات لإحباط أي أعمال عنف قبل تولي بايدن السلطة.
رسائل تهديد
ويقيم مسؤولون اتحاديون ومن الولايات تهديدات على الإنترنت ورسائل تهديد لأعضاء «الكونغرس» ويتأكدون من أن العملية الأمنية لديها القوة الكافية للتصدي لأي هجوم. وأخذ بايدن وفريقه الانتقالي التهديدات الأمنية على محمل الجد، وعزز إجراءات الأمن حوله، وبدأ التواصل مع إدارة ترامب للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات، حول صورة التهديد والاستعدادات التي يتم وضعها للردع والدفاع ضد الاضطرابات.وحصل موقع «دايلي بيست» على بيان استخباري أصدره جهاز الخدمة السرية، يحذّر من وقوع احتجاجات مسلحة في واشنطن، مبيناً أنه من المتوقع أن تشارك جماعة «بوغالو بويز» اليمينية المتطرفة في الاحتجاجات العنيفة. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن حالة من القلق بين كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات، خلال مكالمة هاتفية جماعية، بشأن هجمات محتملة على مبان حكومية، ومنازل بعض أعضاء «الكونغرس» والشركات، مؤكدة أن المسؤولين الفدراليين دعوا قادة الشرطة بالمدن الكبرى ليكونوا في حالة تأهب قصوى، إضافة لدعوة أجهزة إنفاذ القانون إلى مراقبة علامات الاضطراب.وأفادت «سي إن إن» بأن إدارة أمن المواصلات وضعت نفسها في حالة تأهب قصوى وضاعفت تدابيرها الأمنية على الرحلات الجوية الداخلية المتجهة إلى العاصمة، مبينة أن ذلك يشمل التحقق من هوية المسافرين عبر بوابة الرحلات المتجهة إلى واشنطن.وحذر مكتب التحقيقات الاتحادي من احتجاجات مسلحة يجري التخطيط لها في واشنطن وعواصم جميع الولايات الخمسين في مطلع الأسبوع أو قرب موعد تنصيب بايدن.وظهرت رسائل متعارضة في غرف الدردشة والمنتديات الخاصة باليمين المتطرف حول الاحتجاجات المحتملة في فترة تنصيب بايدن.ودعا موقع «باتريوت أكشن» أنصاره لتطويق البيت الأبيض و«الكونغرس» والمحكمة العليا «للحيلولة بأي ثمن دون تنصيب بايدن أو أي ديمقراطي آخر».ودعت صورة منشورة على موقع «ذا دونالد» الموالي لترامب المحتجين «للدفاع عن الحرية» باحتجاجات مسلحة يوم 17 يناير عند مقر «الكونغرس» وعواصم الولايات، وفقا لمجموعة «سايت إنتليجينس» التي ترصد مواقع المتشددين على الإنترنت.وفي دلالة على التوتر السائد بالعاصمة الفدرالية، أعلن موقع «إيربي إن بي» لحجوزات الشقق إلغاء الحجوزات وتجميدها على منصته في واشنطن خلال أسبوع تنصيب بايدن.لجنة تحقيق
وأصدر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بياناً مشتركاً مع زميله بمجلس الشيوخ رون جونسون، دعيا فيه إلى تشكيل لجنة مستقلة من خبراء أمنيين غير حزبيين معترف بهم على المستوى الوطني للتحقيق في الإخفاقات الأمنية التي سمحت باختراق مبنى «الكونغرس»، مما تسبب في مقتل 5 أشخاص.ودعا السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال إلى تشكيل لجنة للتحقيق في اقتحام «إرهابيين» محليين للكونغرس على غرار لجنة هجمات 11 سبتمبر.سابقة تاريخية
وقبل أسبوع من مغادرته البيت الأبيض، صوّت مجلس النواب بأغلبية 232 صوتاً مقابل 191 لمصلحة توجيه الاتّهام إلى ترامب الذي لن تبدأ محاكمته في مجلس الشيوخ قبل 20 الجاري.ومع تصويت جميع النواب الديمقراطيين و10 نواب جمهوريين لمصلحة قرار يتهمه بالتحريض على التمرّد، بات ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتّحدة يُحال أمام مجلس الشيوخ مرّتين لمحاكمته بقصد عزله.ووجّه مجلس النواب الاتهام إلى ترامب، لأنّه حضّ أنصاره الأسبوع الماضي على السير باتجاه «الكابيتول» و«القتال» لمنع «الكونغرس» من المصادقة على فوز منافسه بايدن ونشر الرعب والفوضى والدمار في جنباته.وإذ اعتبرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أنّ الخطوة غير المسبوقة تثبت أنّ «ما من أحد فوق القانون»، أعلن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل أنّه من غير الممكن إجراء محاكمة «عادلة أو جادّة» لترامب في غضون الفترة القصيرة المتبقية له في البيت الأبيض، مؤكداً أنّه لن يدعو المجلس للالتئام قبل الموعد المقرّر لاستئناف جلساته في 19 الجاري، مبرّراً قراره هذا بأنّه «حتى لو بدأت إجراءات (المحاكمة) هذا الأسبوع وسارت بسرعة، فلن يتمّ التوصّل إلى حُكم نهائي إلا بعد أن يكون ترامب قد غادر منصبه».من جانبه، قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر إن «دونالد ترامب استحقّ أن يصبح أول رئيس في التاريخ الأميركي يوصم مرتين بوصمة إجراء العزل».ومع ارتفاع منسوب التوتر لحده الأقصى، وجه ترامب باستخدام كل الموارد لفرض النظام أثناء نقل السلطة، وتبرأ من مثيري الشغب ومقتحمي «الكابيتول»، معتبراً أنهم ليسوا من أنصاره «الحقيقيين»، وقال انه غير مهتم بإجراءات عزله.وبعد أن باشر مجلس النواب آلية عزل ترامب للمرة الثانية يعود لرئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي أن تحيل بيان الاتهام على مجلس الشيوخ في الموعد الذي تقرره.وتتطلب إدانة الرئيس موافقة غالبية ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين، مما يعني أنه في حال حضر جميع الأعضاء الجمهوريين الجلسة، ينبغي أن ينضم 17 منهم على الأقل إلى الديمقراطيين في التصويت لتثبيت الاتهام.وينظم مجلس النواب عندها محاكمة، غير أن مجلس الشيوخ الذي برأ ترامب في المحاكمة الأولى في فبراير 2020، حالياً في عطلة لأسبوع، ولن يستأنف العمل قبل 19 ناير. ويقول بعض خبراء الدستور الأميركي إنه لا يمكن لمجلس الشيوخ محاكمة رئيس سابق. لكن سبق أن تم اتهام أعضاء سابقين في مجلس الشيوخ وقضاة سابقين في مجلس النواب، ومحاكمتهم بعد انتهاء مهامهم.وفي حال جرت محاكمة ترامب بعد 20 الجاري، فستكون السيطرة على مجلس الشيوخ انتقلت عندها إلى الديمقراطيين، وسيكون رئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر رئيساً للغالبية، وهو لم يستبعد إدانة ترامب، الذي يستطيع المجلس منعه من خوض أي سباق للبيت الأبيض مستقبلا بمجرد تصويت بغالبية بسيطة.وفتحت آلية عزل في حق ثلاث رؤساء أميركيين حتى الآن، لكن لم يسبق أن حاكم مجلس الشيوخ رئيسا بعد انتهاء مهامه.