قبل أيام من أداء الرئيس السادس والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة اليمين الدستورية، تغيّرت معالم العاصمة واشنطن، وأصبحت أشبه بمعسكر محصن وقسمتها نقاط التفتيش، بعد أعمال العنف التي شهدها مقر الكابيتول في 6 يناير الجاري، وباتت الشرطة تطوقها مدعومة بآلاف الجنود.ووسط مخاوف متزايدة من تخلل عملية تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن أعمال عنف مسلحة من أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي قرر المغادرة قبلها، أغلقت العاصمة الأميركية واشنطن بشكل شبه تام وخلت شوارعها ومعالمها الشهيرة إلا من قوات إنفاذ القانون وعناصر الحرس الوطني في مشهد شبهه أشهر مذيعي شبكة «سي إن إن» وولف بليتزر بتحولها لمناطق حرب مثل الموصل أو الفلوجة أو بغداد.
وبادرت أجهزة الأمن إلى إغلاق وسط العاصمة، مع نشر أكثر من 20 ألف عنصر مسلح من الحرس الوطني هناك، وتم تعليق حركة النقل في معظم الأنحاء، وتحصين مبنى الكابيتول بسياج يبلغ ارتفاعه 7 أقدام مغطى بأسلاك شائكة وخلفه المئات من رجال الحرس الوطني المسلحين.وفي إجراء غير مسبوق، أغلقت الخدمة السرية المعنية بضمان الأمن خلال تنصيب بايدن متنزه ناشونال مول، الذي يجتمع فيه عادة آلاف المواطنين خلال حفلات التنصيب بالكامل.وفيما أغلقت فنادق وسط المدينة وشركة «إير بي إن بي» باب استئجار الغرف وأماكن السكن خلال الفعالية، فرضت أكبر شركات الطيران حظراً على نقل أسلحة مرخص بها في حقائب المسافرين المتوجهين إلى واشنطن، التي دعا مسؤولوها الأميركيين للبقاء في منازلهم بدلاً عن الاحتفال بتنصيب بايدن في الخارج.وبدأت قوات الحرس الوطني تدريبات للتعامل مع التفجيرات، بناء على تحذير من مكتب التحقيقات الفدرالي FBI لأجهزة إنفاذ القانون من احتمال وجود عبوات ناسفة أثناء التظاهرات المرتبطة بتنصيب بايدن، وكشفه عن خطط مسبقة لاستهداف مشرعين ومسؤولين بالخطف والقتل في 6 يناير، قبل أن يتراجع عن هذه الاتهامات في وقت لاحق أمس.وأعلنت هيئة المتنزهات الوطنية إغلاق منطقة «ناشيونال مول» والمعالم الشهيرة في واشنطن حتى 21 يناير على الأقل. واتصل مسؤولو وزارة الدفاع « بحكام الولايات وسألوا عما إذا كان لديهم المزيد من قوات الحرس الوطني التي يمكنهم إرسالها إلى واشنطن للمساعدة في حماية مبنى الكابيتول والمدينة.وأمر حاكم فلوريدا بتعبئة الحرس الوطني حتى 24 يناير لمساعدة قوات الأمن المحلية والفدرالية لمواجهة تهديدات مرتبطة بحصول أعمال عنف، خصوصاً بعد إعطاء المدعي الفدرالي أوامر بالقبض في فلوريدا على جنديّ سابق يدعى دانييل بيكر دعا إلى حمل السلاح في مواجهة المتظاهرين المؤيدين لترامب.
11 سبتمبر
وبعد اتخاذ FBI إجراءات غير مسبوق منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 وأصدر مذكرة داخلية تحذر من أن مجموعة مسلحة تعتزم اقتحام المقار الحكومية في كافة الولايات، أعلن قائد شرطة واشنطن، روبرت كونتي وجود خطر أمني كبير من المتطرفين.وخلال إحاطة افتراضية لنائب الرئيس مايك بنس، أعرب مدير مكتب FBI كريستوفر راي عن قلقه إزاء أعمال عنف محتملة خلال حملات احتجاجية أمام مباني الهيئات التشريعية في كل الولايات، وقد يشارك فيها عناصر مسلحون.وأوصى FBI الشرطة بتوخي الحيطة وتبادل المعطيات الاستخباراتية تحسباً لأنشطة متطرفة محتملة ورفع مستوى الإجراءات لضمان أمن كبار المسؤولين في العاصمة، بعد أن أعلنت عمدة واشنطن موريل باوزر عن تلقيها تهديدات بالقتل.وكشف راي، أمس الأول، عن رصد محادثات مثيرة للقلق عبر الإنترنت تتحدث عن احتجاجات مسلحة محتملة في واشنطن وحول المباني الحكومية في عواصم الولايات. وقال: «نقوم بتقييم هذه التهديدات مع شركائنا ونوع الموارد التي يجب أن نرصدها لمواجهتها».وأكد راي اعتقال ما يربو على 100 شخص فيما يتعلق باقتحام مبنى الكونغرس، وأنه يبحث الآن عن أفراد من المحتمل أن يهددوا تنصيب الرئيس المنتخب، مبيناً أن المواد المتفجرة التي عثر عليها في واشنطن يوم الهجوم لم تنفجر، ونقلت إلى مكان آمن.ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مصدرين مطلعين أن فريق بايدن أجّل تدريباً على مراسم تنصيبه، وألغى أيضاً رحلته بالقطار من مدينة ويلمنغتون إلى واشنطن بسبب المخاوف.وفيما أكد بايدن، خلال حديثه عن خطته لمواجهة فيروس كورونا أنه يشعر بالأمان، تعهد بنس بضمان الأمن. وقال: «يمكن للأميركيين أن يثقوا بأننا سنضمن حفل تنصيب آمناً، وأن بايدن ونائبته كامالا هاريس سيؤديان القسم بطريقة تتوافق مع تاريخنا وعاداتنا وتكرم الشعب والولايات المتحدة».وبعد تفقده لمحيط مبنى الكونغرس وعناصر الحرس الوطني، أجرى أول اتصال بخليفته القادمة هاريس لتهنئتها بالفوز، وعرض تقديم مساعدته قبيل حفل التنصيب.تحقيق ومحاكمة
ومع اتخاذها قرار إرسال مذكرة عزل ترامب إلى مجلس الشيوخ الأسبوع القادم، أشارت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تعبئة غير مسبوقة للأمن في الكونغرس وهددت بأنها ستتخذ إجراءات صارمة بحق من ثبت تورطه من أعضاء بالكونغرس في الأحداث الأخيرة.وطلبت بيلوسي من الجنرال المتقاعد راسل هونوري أن يشرف على مراجعة فورية للبنية التحتية الأمنية والعمليات المشتركة بين الوكالات والتحكم والسيطرة».وفي مؤتمر صحافي مساء أمس الأول، قالت بيلوسي، إن المسؤولين يقومون بالتحضير لمحاكمة ترامب التي ستنقل إلى مجلس الشيوخ، لكنها امتنعت عن تحديد موعد لنقل المحاكمة، وقالت إن ذلك سيعرف في الوقت المناسب.وإذ شدد الجمهوريون على أن خطط الديمقراطيين ستولد ميتة مالم يسعوا إلى المصالحة، حذرت «بوليتيكو» من محاكمة ترمب البرلمانية ستدمر جميع خطط بايدن ومنها استجابته السريعة لمواجهة وباء كورونا.بدوره، قدم وزير الصحة أليكس عازار استقالته من منصبه، معتبراً أن الأعمال والخطابات التي تلت الانتخابات، خاصة خلال الأسبوع الماضي، تهدد بتشويه إرث هذه الإدارة، وأن الهجمات على مبنى الكابيتول كانت اعتداء على ديمقراطيتنا وعلى تقاليد الانتقال السلمي للسلطة التي كانت الولايات المتحدة أول من جلبها إلى العالم.وناشد عازار ترامب بمواصلة إدانة أي شكل من أشكال العنف وبمطالبة عدم محاولة أي شخص تعطيل أعمال تنصيب بايدن أو أي مكان أخر، ودعم الانتقال السلمي للسلطة في 20 يناير. وكشفت صحيفة «بوليتكو» أن ترامب سيعلن قائمتين من الأسماء المشمولة بالعفو الرئاسي الأولى الجمعة والثانية صباح الأربعاء وتتضمن مساعده السابق ستيف بانون.فرار ترامب
وفي مشهد يوحي بعملية فرار، سيغادر ترامب واشنطن فجر الأربعاء قبل ساعات من تنصيب بايدن. ومن الواضح أن ترامب لا يرغب في مغادرة العاصمة الفدرالية بصفة رئيس سابق، لذلك سيتوجه قبل انتهاء ولايته إلى فلوريدا ومقره الفاخر في مارالاغو حيث ينوي الاستقرار.وبعد مغادرته مقر الرئاسة على متن مروحية ستقلع من حدائق البيت الأبيض، سيتوجه رجل الأعمال السابق من قاعدة أندروز العسكرية «ميريلاند» إلى مارالاغو في رحلته الأخيرة على متن طائرة الرئاسة.ووفق مصادر مطلعة، فإن ترامب طلب إقامة حفل وداع كبير له في يوم تنصيب بايدن قبل أن يركب لآخر مرة الطائرة الرئاسية، موضحة أن مساعديه طلبوا منه أن يلقي خطاباً عن أبرز إنجازاته، سواء كان مباشراً أو مسجلاً، غير أنه لم يبدِ اهتماماً بالأمر.