• جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة تضعك أمام تحد جديد، فكيف أعددت لمرحلة ما بعد الفوز؟
- سعدت حقاً بالحصول على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في صنف الدراسات، عن كتابي «الرحلة ما بعد الكولونيالية» وهي الجائزة التي تحمل اسم علم من أعلام مدينتي وبلدي، وهو اسم عالمي يعرفه القاصي والداني، وهذا الاحتفاء جاء في أوانه، على الأقل، ليؤكد أن اختياراتي النقدية والفكرية، واهتماماتي الأدبية، التي تشغلني في السنوات الأخيرة، يمكن أن تلقى صدى طيبا لدى القارئ العربي، بعدما حظيت هذه الدراسة برضا لجنة ضمت نخبة من الباحثين والنقاد، الذين نعتز بهم وبإنتاجهم الذي أفادنا، ولا شك، ونعتز بحكمهم، وبثقتهم فيما كتبناه. وبعد الفوز بالجائزة تصبح المسؤولية أكثر وطأة مما يضعنا، فعلا، أمام تحد جديد يتطلب التفكير في إنجاز أعمال وأبحاث جديدة في مستوى هذه الدراسة الفائزة أو أعلى من مستوى ما تم إنجازه. أنا حتى الآن مازلت تحت نشوة الفوز بالجائزة، ولهذا لم أدخل مرحلة الإعداد لما بعد التكريم... ولكن بالتأكيد سأستمر في إنجاز مشاريع نقدية وإبداعية شرعتُ فيها قبل إعلان الجائزة.• إلى جانب النقد لك إسهامات شعرية، فمتى استقام لديك الشعر وصارت الكتابة جدية؟
- منذ أن نشرت أولى قصائدي أواخر الثمانينيات، وانفتح المجال أمامي للنشر والمشاركة في اللقاءات الشعرية والقصصية والندوات النقدية، استقام أمر الشعر عندي، كما استقام أمر القصة والكتابة النقدية، وصارت الكتابة فعلا جدية غايتها في الأساس السعي إلى الجودة والإتقان وتحقيق المتعة للقارئ وإفادته، وهذا هو مدار الأدب وجوهره. ولعل المشروع، أو بالأحرى الهدف الذي أرمي إليه من خلال كل ما أنتجه أن أقول ما يدور في نفسي ويجول في خاطري بأشكال إبداعية متنوعة، ولكنها جميعها تمثلني وتعبر عن شخصي وعن رؤيتي لما يجري من حولي، وهذه الاستقامة تطلبت مني جهدا كبيرا في القراءة والكتابة، ومازالت تتطلب المزيد من الصقل والتجويد، لأن رضا الأديب عن إنتاجه يبقى دائما منقوصا، وهذا حافز من حوافز الاستمرار والإبداع.الكتابة الشذرية• هل للغة النصوص المنقودة تأثير واضح على نتاج الأعمال المتنوعة بين الخطاب البلاغي والنقدي القديم منه والحديث؟
- طبعاً للغة النصوص الإبداعية المنقودة تأثير واضح في إنتاج الناقد، فهو يتعامل بدرجة أساس مع لغة، وصيغ، وأساليب، وصور فنية بلاغية، وتركيب نحوي، وبناء صرفي، والنقد والبلاغة معا ما كان لهما ليظهرا للوجود لولا سبق النص الإبداعي، لهذا التأثير موجود وحقيقة قائمة، ولكن لا ننسى أن الناقد والبلاغي هما في الجوهر أديبان، لأن الكتابة الأدبية، إبداعا ونقدا، في نظري وحدة متكاملة، فكما أن الناقد الذي لا يطلع على أجد النصوص وأجملها وأردئها إلى جانب إلمامه بالنظريات النقدية وتطبيقاتها يكون عمله مهزوزا ضعيفا، كذلك الأمر بالنسبة إلى المبدع/ الأديب يظل إنتاجه ضحلا ضعيفا إذا لم يهتم بالنقد ويستفيد منه، ولاشك أن لغة المجالين تتقاطع وتتواشج في السياقين الأدبي والنقدي معاً.المتخيل• ما الذي كنت تريد أن تجعل قارئك عليه وأنت تقدم له "فتنة التأويل في قراءة متخيل الرواية العربية الجديدة"؟
- أن يفتتن بالرواية، وأن يدرك قيمة قراءة هذا الفن، وأن أمده ببعض الأدوات والرؤى التي تمكنه من فهم الرواية وتأويلها والتفاعل معها باعتبارها فنا قوامه المتخيل، ومداره تصوير الإنسان... وهذا الكتاب جزء من مشروع متواصل لقراءة الرواية ومحاولة تأويلها من منظور خاص يتبلور مع الزمن في مقاربات عديدة، وقريباً سيصدر كتابي الآخر الذي يغني هذا الاشتغال: "الرواية والإنسان ومتاهة الحضارة" عن دار نشر مصرية. تنوع• برأيك هل التنقل بين صفوف الأدب المختلفة يثري تجربة المبدع أم يعرقل مسيرته؟
- بالتأكيد إن ثراء تجربة المبدع تتصل بتنوع اهتماماته وانتقاله بين فنون الأدب المختلفة. وحسب وجهة نظري ما يعرقل مسيرة الأديب تقاعسه عن تطوير إبداعه وتجويده والرقي به، وذلك عبر تنويع نطاق قراءاته، وفتح آفاق اشتغاله، وبالطبع لا يمكن لأي أن إنسان أن يكون عطاؤه متميزا في كل المجالات التي يهتم بها، غير أن محاولته لتحقيق ذلك تحسب له. ويبقى الحكم دائما للقارئ وللنقاد، فهم الذين يكشفون عن المجال الذي تفوق فيه هذا الأديب أو قصر.• بالبحث عن التراث المغربي العربي بين عوالمك... أين نجده فيما قدمت؟
- نجده ثاوياً بين تضاعيف النصوص الإبداعية شعرا وقصة، ومن خلال حضوره بأشكال متنوعة: إما عبر توظيفه المباشر، أو التناص، أو من خلال تمثل روحه وتشغيلها في بناء النص، أو تشكيل متخيله. المهم أن هذا الحضور موجود، وهو موجود أيضا في تضاعيف الانشغالات النقدية والاهتمامات الدراسية.• ما أبرز ملامح الأدب المغربي المعاصر، وتأثيره في الحركة الأدبية العربية؟
- من الصعب الحديث عن ملامح خاصة بالأدب المغربي المعاصر بشكل عام وشامل، ولكن يمكن الحديث عن سمات تطبع الكتابة الروائية والسردية جعلت هذين الفنيين يحملان خصائص دالة على البيئة المغربية وخصوصياتها، وتعكسان تمثل بعض عناصر الموروث الشعبي وخصائصه في بناء النص الأدبي وتشكيل متخيله. أما عن مسألة التأثر فالناظر إلى الإبداع المغربي يلمس انفتاحه على الجديد وتمثله لأشكال تعبيرية وتصويرية متنوعة تعود إلى تيارات ومدارس عديدة في الأدب العالمي المعاصر، خصوصا الأدب الأوروبي، أما عن التأثير في الحركة الأدبية فنلمس ذلك في حضور الأدب المغربي في أغلب الجوائز العربية، وحظوته بهذه الجوائز التي نالها أدباء كثر في الرواية والقصة والشعر والمسرح والنقد، وغيرها من فنون الأدب. وفي فترة من الزمن شاعت مقولة إن المشارقة يبدعون، والمغاربة يكتبون النقد عن ذلك الإبداع... الآن يمكن القول إن الإنتاج الأدبي المغربي يضاهي، بل يتفوق أحيانا على مثيله المشرقي. المهم أن الحركة الأدبية كانت بخير لولا الوباء الأخير (كوفيد 19)، الذي أثر على الحياة تأثيرا كبيرا بصفة عامة، والحركة الأدبية بصفة خاصة.مشاريع مستقبلية• حدثنا عن كتاباتك في المرحلة القادمة؟
- هي عدة أعمال شرعت فيها موزعة بين الإبداع القصصي والروائي، وبين الدراسة الأكاديمية والنقد الأدبي، خصوصا في الرواية والقصة... أرجو أن يطيل الله في العمر لأنجزها.