الخليج وثقافة الديمقراطية (9)... «آفة تقديس السلطة»
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
ذا عفة فلعلة لا يظلم وجاء فِي المأثور: إنما العاجز من لا يستبد.وكل الموبقات في سبيل السلطة مبررة: فرش العباسيون البسط وأكلوا على جثث الأمويين، والأمويون، قبل، قطعوا رأس الحسين وطافوا به في الأمصار، وضربوا الكعبة بالمنجنيق، وصلبوا ابن الزبير، واستباحوا المدينة. نمر بهذه الشناعات أحداث عادية لأن العقل العربي أعطب بفعل تقديس السلطة، كان الاستبداد قاعدة والعدل استثناء.لم تستنكر ثقافتنا (الغزو) بل رأته أمراً طبيعياً لأن الحياة قائمة على التغالب، لذلك شرعن الفقهاء غزو الأمم الأخرى (جهاد الطلب)، فعلاقاتنا كلها قائمة على التسلط: الزوج بزوجته، الأب بأبنائه، المعلم بطلابه، والرئيس بمرؤوسيه.الإسلام والاستبداد:في التراث "السلطان ظل الله في الأرض"، لهذا جعل الفقهاء "الخليفة" مصدر كل السلطات، فذلك فهم فقهي له سياقه التاريخي لا يلزمنا اليوم، القرآن نقيض الاستبداد والطغيان، والتوحيد تحرير للإنسان من سلطة كل الأوثان، وطبقاً للمفكر القطري عبدالعزيز الخاطر، الدين الإسلامي بريء من الاستبداد العربي مستشهداً بالكواكبي في (طبائع الاستبداد).لكن لماذا ظلت ثقافة الاستبداد راسخة الجذور رغم عقود التحديث والتعليم والتثقيف والاستنارة؟ الإجابة ليست سهلة، لكني أتصور أن عندنا مشكلاً معرفياً متجذراً في الثقافة المجتمعية العامة، وإن تعثر رسوخ قيم الديمقراطية ليس مسؤولية النظام السياسي وحده، بل تشاركه جهتان: الأولى: النخب الثقافية التي تهافتت على موائد الطاغية العربي مديحاً وتملقاً وتزييفاً للوعي العربي.الثانية: إن البديل السياسي (المعارضات العربية) رديف للنخب الحاكمة التي تعارضها، بل هي (البديل الأسوأ) كون الاستبداد تجذر في المجتمع: سلطة ومعارضة.المستبدون المحبوبون:للدكتور الربعي مقالة رائعة عن ظاهرة تعلق مجتمعاتنا بالزعيم المستبد، حتى بعد رحيله، وأنها لا تخص الجماهير وحدها بل النخب العربية التي يتلبسها الزعيم المستبد، حنيناً إلى عصره، هم صانعو الطاغية مقننو الاستبداد.أخيراً: ليست الثقافة العربية وحدها، ولا العرب وحدهم، من ابتلي بآفة تمجيد السلطة والزعيم، ثقافات عديدة وشعوب في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية منكوبة بها، لكن معظم هؤلاء استطاعوا تجاوز أوضاعهم السابقة ونجحوا في فرض قطيعة مع الموروث الاستبدادي، ونحن لما ننجح بعد. *كاتب قطري