شهد الأسبوع الماضي أحداثا اقتصادية بطيئة للغاية، حيث تراجعت مكاسب الدولار على خلفية تجنّب المخاطر وتدابير الانعاش الاقتصادي، بعد أن تأثرت الأسواق المالية بالنبرة التيسيرية التي تبناها "الاحتياطي الفدرالي" فيما يتعلق بالسياسة النقدية.وكان الدولار الأميركي قد بدأ في اكتساب بعض الزخم الصعودي بعد الموجة الزرقاء الأخيرة التي اجتاحت الكونغرس والبيت الأبيض، مما عزز من فرص قيام الحكومة بضخّ حزم تحفيز مالي إضافية.
وبناءً على ذلك، ووفق تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، ارتفعت توقعات التضخم وعائدات السندات الطويلة الأجل والدولار.إلا أن ارتفاع الدولار بدأ في التراجع بعد صدور تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، وإعلانه أن "الاقتصاد الأميركي لا يزال بعيداً عن أهداف التضخم والتوظيف، ومن المبكر جداً لمجلس الاحتياطي الفدرالي مناقشة تغيير معدل مشترياته الشهرية من السندات"، مضيفاً: "لم يأت الوقت المناسب بعد للحديث عن الخروج من السياسة النقدية الفائقة التيسير، أعتقد أن أحد الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية هو الحرص على عدم التخلي مبكراً عن تقديم الدعم للاقتصاد". ودفعت نبرة "الاحتياطي الفدرالي" الدولار إلى الانخفاض، وأعطى إشارة غير مباشرة للمشاركين في السوق ألا يستبقوا الاحداث.وكشف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عن خطته الجديدة لتحفيز الاقتصاد بقيمة 1.9 تريليون دولار، ووضعها في صدارة الأولويات التشريعية، بينما يستعد لدخول المكتب البيضاوي يوم الأربعاء. وإذا وافق "الكونغرس" على تلك الحزمة، فسوف تساهم في تقديم دعم هائل للاقتصاد الأميركي المتعثر، إضافة إلى الحزمة المالية بقيمة 900 مليار دولار التي تم الاتفاق عليها الشهر الماضي من قبل المشرعين الأميركيين و3 تريليونات دولار لدعم جهود الإغاثة، التي تم تمريرها في بداية الجائحة. ويسيطر الديمقراطيون الآن على مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي بعد فوز عضوين ديمقراطيين في مجلس الشيوخ في السباق الانتخابي بولاية جورجيا. لذلك، أدى اجتياح الموجة الزرقاء للمجالس التشريعية إلى زيادة إمكانية اقرار مشروع القانون المالي الذي اقترحه بايدن.وتتضمن خطة الرئيس بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار دفع شيكات جديدة بقيمة 1400 دولار لمعظم الأميركيين، إضافة إلى الشيكات بقيمة 600 دولار التي تم توزيعها أخيرا على الأميركيين أصحاب الدخول التي تقل عن 75 ألف دولار سنوياً.ومن شأن تلك الخطوة أن تساهم في رفع القيمة الإجمالية للمدفوعات المباشرة الأخيرة إلى 2000 دولار. كما تتضمن الخطة أيضاً توفير 350 مليار دولار لحكومات الولايات والحكومات المحلية التي تعاني ضائقة في الميزانية، وسيتم تخصيص 50 مليار دولار في هيئة منح للشركات الصغيرة المتعثرة، وتوجيه 400 مليار دولار إضافية لمواجهة تداعيات الجائحة، هذا إضافة إلى 130 مليار دولار لتسريع إعادة فتح المدارس في أنحاء البلاد كافة.وبالنظر إلى عائدات سندات الخزانة الأميركية، فقد ارتفع عائدات السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 28 نقطة أساس قبل أن تشهد العائدات عمليات تصحيحية دفعتها إلى التراجع، ويعتبر ذلك تحركاً ملحوظاً خلال سبعة أيام فقط من التداول.وساهمت التوقعات التي أشارت إلى أن الإدارة الجديدة ستقوم بتمويل احتياجاتها عن طريق السندات الطويلة الأجل في دفع منحنى عائد السندات طويلة الأجل إلى الأعلى، في حين لم تطرأ أي تغيرات تذكر على المعدلات القصيرة الأجل.وتسبب ذلك التحرك في تزايد حدة انحدار منحنى العائدات لأجل السندات ما بين 2 و10 سنوات بمقدار 101 نقطة، في وقت يعتبر أعلى فارق منذ مايو 2017. ولم تكن لانحدار منحنى العائد آثار تذكر على الدولار، لأن ارتفاع عائدات السندات لأجل 10 سنوات لم يكن ناتجاً عن تغير توقعات سياسات الاحتياطي الفدرالي. من جهة أخرى، ارتفعت عائدات السندات لأجل عامين بمقدار نقطتي أساس فقط. ويساهم هذا الانحدار الشديد لمنحنى العائدات في الحد من جاذبية الدولار الأميركي. وفي حالة ما إذا بدأ اتجاه المنحنى بأكمله في التحول، تعتبر تلك إشارة أوضح على قوة الدولار.أما بالنسبة للدولار، فقد أنهى تداولات الأسبوع على ارتفاع هامشي مقابل سلة من العملات الرئيسية، بعد أن تخلى عن معظم مكاسبه، متأثراً بتعليقات "الاحتياطي الفدرالي" الحذرة بشأن السياسة النقدية. بينما تجري حالياً إجراءات عزل الرئيس ترامب المنتهية رئاسته للمرة الثانية، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي في تاريخ الولايات المتحدة يتعرّض لإجراءات عزله مرتين. ولم يكن لأخبار مساءلته أي تأثير على الدولار أو الأسواق المالية، حيث من غير المرجح أن تبدأ إجراءات محاكمة مجلس الشيوخ لترامب قبل انتهاء فترة رئاسته بعد غد. وأنهى مؤشر الدولار تداولاته عند مستوى 90.772، مرتفعا بنسبة 1.00 بالمئة فقط خلال جلسات التداول الخمس الماضية.
تباين بيانات التضخم
ارتفع معدل التضخم الكلي في الولايات المتحدة الشهر الماضي على خلفية تزايد أسعار البنزين بنسبة 8.4 بالمئة، مما ساهم بأكثر من 60 بالمئة في ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين. وكشفت البيانات عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأميركي بنسبة 0.4 بالمئة على أساس شهري في ديسمبر، بعد ارتفاعه بنسبة 0.2 بالمئة في نوفمبر. وعلى أساس سنوي، ارتفع المؤشر بنسبة 1.4 بالمئة مقابل ارتفاعه بنسبة 1.2 بالمئة في الشهر السابق.من جهة أخرى، ارتفع مؤشر التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار الطاقة والمواد الغذائية هامشياً. إذ صعد مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 0.1 بالمئة على أساس شهري. وبلغ معدل المؤشر الذي يفضل الاحتياطي الفدرالي تعقبه 1.4 بالمئة في الوقت الحالي، فيما يعد أقل بكثير من متوسط التضخم المستهدف البالغ 2 بالمئة. ويشير تباين قراءات التضخم الشهرية إلى أن مستويات التضخم الإجمالية لا تزال ضعيفة، ولن يحفز ذلك مسؤولي السياسة النقدية على تغيير لهجتهم. وقد يبحث مسؤولو الاحتياطي الفدرالي عن أي ارتباط بين ارتفاع معدلات التضخم والتأثيرات الأساسية، وقد يتجهون لدراسة أسباب أي ارتفاع مؤقت في الأسعار في الفترة الأخيرة من العام الحالي.ضعف أساسيات الاقتصاد الأميركي
واصل المستهلكون الأميركيون خفض معدلات الإنفاق للشهر الثالث على التوالي خلال ديسمبر في ظل إعادة تكثيف تدابير الحد من انتشار الفيروس. ويمثل الإنفاق الاستهلاكي 70 بالمئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، مما يجعل مبيعات التجزئة من أهم المؤشرات الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها.وانخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 0.7 بالمئة على أساس شهري، في حين زاد انخفاض بيانات نوفمبر بعد تعديلها لتصل إلى -1.4 بالمئة بدلاً من -1.1 بالمئة، كما أعلن في وقت سابق.أما بالنسبة لمبيعات التجزئة الأساسية، والتي تستثني السيارات والبنزين ومواد البناء والخدمات الغذائية فقد تراجعت 1.9 بالمئة. كما كشف أحدث التقارير الصادرة عن وظائف القطاع غير الزراعي عن تسجيل خسارة في الوظائف خلال الشهر الماضي للمرة الأولى منذ أبريل 2020. وقد يفقد الاقتصاد المزيد من الوظائف في يناير، مع ارتفاع الطلبات الجديدة للحصول على إعانات البطالة في الأسبوع الأول من الشهر. وبصفة عامة، يساهم ضعف أساسيات الاقتصاد الأميركي في تعزيز النظرة التيسيرية الحذرة التي يتبناها مجلس الاحتياطي الفدرالي.السلع
تراجعت أسعار النفط الأسبوع الماضي وسط تجدد المخاوف بشأن الطلب العالمي على النفط نتيجة لارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في الصين وأوروبا. وفرضت الصين، أكبر مستورد للنفط على مستوى العالم، عمليات إغلاق في 4 مدن رئيسية، نظراً لارتفاع حالات الإصابة الجديدة بالفيروس إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ أكثر من خمسة أشهر.إلا أن انخفاض مخزونات الخام الأميركية للأسبوع الخامس على التوالي وقوة بيانات واردات النفط الصينية ساهمت في الحد من تلك الخسائر. إذ انخفضت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة بمقدار 5.8 ملايين برميل الأسبوع الماضي إلى حوالي 484.5 مليونا، وفقاً لبيانات معهد البترول الأميركي. وعلى أساس أسبوعي، تراجعت أسعار مزيج خام برنت بنسبة 2 بالمئة، أو ما يعادل 1.14 دولار للبرميل.