وجهة نظر : سِفر التكويت
من المثير للدهشة فعلاً أن المعارك السياسية الطاحنة تتجاهل خطورة الوضع الاقتصادي المخيف للكويت، والأمر لا يحتاج إلى خبراء اقتصاديين لقراءة الموازنة المالية المعلنة من وزارة المالية للعام الحالي لندرك أن إيراد النفط والغاز، والذي يستأثر بنسبة 75% من إجمالي إيرادات الدولة بمجموع 5.6 مليارات دينار، لم يعد كفيلاً حتى بسداد مصروفات الباب الأول «الرواتب المباشرة»، البالغة قيمته 7.5 مليارات دينار في العام الحالي. (1)وعلى الرغم من ذلك، لا يزال النواب يتاجرون باقتراحات شعبوية تستنزف الدنانير والأفلاس غير آبهين بالإفلاس، أو باقتراحات تدغدغ مشاعر «تويتر» الشوفينية، ومنها إقرار اللجنة التشريعية أخيراً تكويت الوظائف العامة، بحجة أن «المقيمين» هم سبب الهدر وسوء خدمات الدولة، مع اقتراح فرض الجباية على تحويلاتهم النقدية إلى بلادهم، والجباية تختلف عن الضريبة بكونها لا تَمنح لمن يدفعها أية حقوق! أشير إلى أن استخدامي لمفردة «مقيمين» المستخدمة رسمياً وشعبياً منذ الستينيات إلى الثمانينيات عوضاً عن «وافدين»، وذلك للفرق الواضح بدلالة كل من المفردتين، فالأولى أقرب إلى شعور التعايش فهم مقيمون معنا، ويشتركون معنا بذات المصير، أما الثانية فتعزز شعور الغربة، فالوافد طارئ وغريب.في البدء، يجب علينا معرفة أن نسبة 3.2% من إجمالي المقيمين في الكويت يعملون في القطاع الحكومي بأكمله «97.7 ألفاً (2) من أصل 3.1 ملايين نسمة (3)» في حين يعمل بقية العاملين في القطاع الخاص ولدى الأسر الكويتية، وتجدر الإشارة إلى أن 68% من المقيمين العاملين في القطاع الحكومي يعملون في وزارتي الصحة والتربية تحديداً (4)، فهل الكوادر الوطنية كافية ومؤهلة لشغل تلك الوظائف الحساسة؟ أم أن مشكلة الكويت تكمن في بضعة آلاف من المقيمين العاملين في مختلف الجهات الحكومية الأخرى؟ آخذين بالاعتبار أن تكلفة رواتب المقيمين لا تتجاوز 13% من بند الرواتب في الموازنة العامة، إذ إن متوسط رواتبهم الشهرية يبلغ 710 د.ك مقابل متوسط 1510 د.ك للموظف الكويتي، علماً بأن متوسط رواتب الوافدين في الكويت يعتبر الأقل خليجياً «في القطاعين الحكومي والخاص» بحسب تقرير «غلف بزنس» (5).
نضيف إلى ما سبق، أن متوسط نمو توظيف الكويتيين في القطاع الحكومي للسنوات الخمس الماضية بلغ 18% سنوياً، في حين أن نمو توظيف غير الكويتيين في ذات القطاع بلغ نسبة 2% بحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء (6)، كما أن نسبة غير الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي الحاصلين على مؤهل فوق الثانوية يبلغ 81% في مقابل نسبة 67% من الكويتيين (7)، فأي خطر ينذرنا به المنذرون؟ وأي أولوية لهذا الملف على حساب الخطر الحقيقي الذي ينتظر موازنتنا في الحاضر قبل المستقبل؟ لا أذكر ما سبق للتقليل من أهمية السعي لخلق وظائف للمواطنين وإعطائهم الأولوية في التوظيف، ولكن بدراسة متأنية لكل قطاع على حدة «على مستوى الوزارات والإدارات والوظائف» لمعرفة مدى كفاءة الإحلال وبجدول زمني مدروس حتى لا نقع في المحظور.يا سادة، يا ساسة، يا شعب، الملف الاقتصادي هو الأشد ارتباطاً بمستقبل الكويت، وهو شائك وشديد التعقيد، يجب عدم التعاطي معه بهذه البساطة، ومشكلة المقيمين في الكويت هي مشكلة الكيف لا الكم، وإن كان غبار معاركنا قد أغشى الأبصار فسنذوق طعم رمالها قريباً.