العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني غير ممكنة!
يزداد قلق إسرائيل وحلفائها الخليجيين الجدد من توجّه إدارة بايدن المقبلة إلى استئناف المفاوضات مع إيران بهدف العودة إلى الاتفاق النووي الشائب الذي أُبرِم في عام 2015 ويُعرَف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وكان ذلك الاتفاق يضمن تخفيف العقوبات عن إيران ويقدّم لها تنازلات أخرى، لكنه لم يكبح مسار أخطر دولة راعية للإرهاب في العالم، ولم يمنعها من التوجّه مباشرةً نحو اكتساب ترسانة نووية خلال وقت قصير.إذا عاد فريق بايدن إلى الاتفاق، فستكون التداعيات أكثر خطورة بكثير، فقد أحرز الإيرانيون تقدّماً واضحاً في المجال النووي منذ 2015، لذا ستواجه الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة تحديات كبرى في المرحلة المقبلة. حتى الآن، لم يتخذ المجتمع الدولي أي خطوات حاسمة في هذا الملف، ولا تكون القرارات المتعددة الأطراف سهلة حتى في أفضل الظروف، لكنها تزداد صعوبة اليوم في ظل انتشار فيروس كورونا ووفرة التقلبات السياسية. يستعمل الإيرانيون أوراقهم بذكاء، فقد انتظروا انتهاء الانتخابات الأميركية على أمل أن يخسر ترامب، وهذا ما حصل، فعلى إسرائيل وشركائها أن يتعاونوا الآن مع الإدارة الأميركية المقبلة لضمان محاسبة إيران على انتهاكاتها النووية.
لا يعارض الإسرائيليون وحلفاؤهم الإقليميون عقد اتفاق جديد، لكن يجب أن يمنع أي اتفاق مستقبلي إيران من اكتساب أسلحة نووية دائمة. فشل الاتفاق الأخير في تحقيق هذا الهدف، لذا يجب أن يمنع الاتفاق المقبل إيران من الحفاظ على "برنامج نووي مدني" في منشأتها الواقعة تحت الأرض، ويُفترض أن يعالج أيضاً العناصر الثلاثة من برنامج إيران النووي غير الشرعي: المواد الانشطارية، وجهود التسلح، ووسائل التسليم.كذلك، يجب أن تتكيف الولايات المتحدة وحلفاؤها مع بعض الوقائع الجديدة، لقد تغيرت استراتيجية إيران بكل وضوح ولم يعد النظام يحاول "التصادم" مع الآخرين، بل يفضّل "التسلل" خلسةً عبر استخدام نسخ متقدمة من أجهزة الطرد المركزي وجهود البحث والتطوير والمنشآت السرية، ولا يمكن أن يسمح أي اتفاق مستقبلي باستمرار عمل المنشآت تحت الأرض أو المنظمات المدعومة من النظام لتطوير جهود التسلّح. أوصى البعض إدارة بايدن المرتقبة بالتركيز على عقد تسوية، مثل مطالبة إيران بتقليص مخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب، أو تفكيك بعض الجهود المتقدمة، وقد يُضاف اليوم إلى هذه اللائحة مطلب مرتبط بوقف التخصيب بنسبة 20% أو تخفيض مستواه مقابل تخفيف العقوبات، لكن سيكون هذا التوجه خطأً فادحاً. هذا هو المنطق الذي سمح لإيران، بموجب الاتفاق السابق، بتخصيب اليورانيوم عبر استعمال أكثر من 5 آلاف جهاز للطرد المركزي. كوفئ الإيرانيون بعدما خفّضوا أعداد تلك الأجهزة التي كانت تبلغ 10 آلاف، مع أن قرارات مجلس الأمن تنصّ على عدم استعمال أي جهاز من هذا النوع.يفترض كل من يسعى إلى إبرام اتفاق جديد وسريع مع إيران أن هذه المطالب الصارمة ستزيد الصراع تعقيداً مع الجمهورية الإسلامية، لكنه تفكير خير صحيح قبل البدء بأي مفاوضات مع إيران، وعلى الإدارة الأميركية الجديدة ألا تعود إلى طاولة المفاوضات سريعاً بل ترفض مطالب قادة إيران بأن تعوّض الولايات المتحدة عن سياسة ترامب، ويجب أن يدفع القادة الإيرانيون ثمن انتهاكاتهم السابقة والراهنة.في غضون ذلك، يجب أن تتنبه إدارة بايدن المقبلة وحلفاؤها في الشرق الأوسط إلى نشاطات إيرانية أخرى، منها دعم الإرهاب والذخائر دقيقة التوجيه وسواها، ومن غير المناسب أن يُضاف دعم إيران للإرهاب أو العمليات العدائية في سورية ولبنان إلى المفاوضات النووية، ويمكن التطرق إلى هذه المخاوف عبر جهود موازية أو بعد حل المشكلة النووية، وفي المقابل قد يؤدي الدمج بين هذه الملفات كلها إلى تنازلات نووية خطيرة. من المبرر أن تسعى الإدارة الأميركية الجديدة إلى معالجة التحديات المرتقبة في الشرق الأوسط، لكن من الأفضل أن تكون خطواتها دقيقة وحذرة وأن تتعلم من أخطاء الماضي، حيث تستطيع إسرائيل أن تقدم المساعدة في هذا المجال شرط أن تُوحّد مواقفها مع شركائها وتنسّق جهودها مع الآخرين بحذر لتجنب العودة إلى اتفاق 2015 الكارثي.