بدأت الندوة مع السعدون، فبدأ حديثه بالرد على تساؤل المحاور عن تشخيص الحالة الاقتصادية في الكويت... من أين بدأت وأين تقف اليوم؟ فقال: عندما نتكلم عن علم الاقتصاد وعلم المالية العامة، فنحن نتكلم عن علم نشأ في اقتصادات تقليدية، وبالتالي يخدم اقتصادات لها نشاط متنوع لها (إنتاج سلعي وخدمي وضريبة... وإلخ)، وهذا لا ينطبق على الاقتصادات الاستثنائية، مثل حال الاقتصاد الكويت، ففي الاقتصاد التقليدي عندما ينمو الاقتصاد موجب على فترة 20 سنة مثلا برقم 3-4-5/10 بما يفوق معدل النمو السكاني، وبما يفوق القادمين لسوق العمل يقال إنه اقتصاد مستدام وصحي، مضيفا أن هذا لا ينطبق على الاقتصادات الاستثنائية، فهي بها ورم مثل الاقتصاد الكويتي تعتمد على استهلاك ثروة وتحولها الى نفط ثم تصرفها.وعرض السعدون 3 مؤشرات اقتصادية (نمو الاقتصاد، والإنفاق العام، والعمالة المواطنة) لمدة 20 سنة (2000-2020) لرصد حركة الاقتصاد، وحللها تحليلا اقتصاديا صريحا وواضحا، فقال إن الاقتصادات الاستثنائية تحتاج إلى استخدام طرق استثنائية، لأن النفط ثروة مؤقتة، فلو كنا في سنة 2000 واتخذنا القرار الصحيح في التوقيت الصحيح، وضبطنا نمو النفقات العامة بحدود معرفتنا بأن النفط مجرد ثروة تزول، إما بالانتهاء أو بالتقادم العلمي، لكانت إمكانات السيطرة على النفقات العامة موجودة دون الحاجة إلى النفط، ولكنّا في مأمن ومرتاحين اليوم في عام 2021.
أكبر متآمر
أضاف السعدون: إذا استمررنا بنفس ما نحن عليه، فلا الاقتصاد سيكون مستداما ولا المالية العامة مستدامة، ولا ميزان العمالة مستدام، وإذا استمررنا في تقديس هذه الإدارة الثابتة (إدارة الجينات والمحاصصة) فعلينا السلام، واليوم لن نتباكى على الماضي، والكويت بلدنا، ويجب أن نكون حريصين على إنقاذه، ولا يزال في الوقت متسع، فلدى البلد ما يكفي من موارد وما يكفي من روئ لكي يكون أفضل مما كان، والـ20 سنة التي مضت كان البلد مشوّها، اليوم نستطيع ان نعود إلى البلد الجميل؛ بلد الستينيات والسبعينيات، لكن إذا استمررنا عليه فسنسير باتجاه الكارثة، وأؤكد أن أكبر متآمر على سلامة البلد واستقراره هو إدارتها العامة.وختم بأن المسؤولين عن السياسات العامة، لكي يمرروا فسادهم، يمررون بعض السياسات الشعبوية (كوادر، وعطايا، وهبات) أي يعطوا الناس الفتات للتسامح مع الفساد والهدر، في نهاية المطاف في 2030 إذا طاح "الفاس بالراس"، فمن يملكون المال سيعيشون في أي مكان بالعالم، لكن مَن يدفع الثمن؟ الناس الذين يرشونهم الآن فقط لإسكاتهم.وتطرّق السعدون الى بعض القضايا العالقة، مثل تنويع مصادر الدخل والدين العام وزيادة عدد الوظائف وغيرها، فقال إن عندنا أزمة سيولة حقيقية، وعندنا حكومة غير قادرة على أن تقنع أحدا بأنها جديرة بأن تتسلم أموالا لتعالج مشكلة السيولة، لأنهم يقولون إنكم قاصرون إن أعطيناكم سيولة ستضيعونها، وهذا أنا لا يمكن أن أجادل فيه صحيح لا يمكن أن تكون قدوة وعلى هرم، وتطلب من الناس أن يقبلوا بما تقوله، لا أحد يقبل، الحكومة عاجزة عن إدارة شركة طيران، عاجزة عن كل ما يخطر في بالك، انظر إلى الفساد والهدر في التعليم والصحة والطرق، وختم "إن لم تصلح الإدارة لا يمكن أن تصلح البلد".أبرز المشاكل
من ناحيته، تحدث د. المجرن عن أهم وأبرز المشاكل المالية العامة في الكويت، وقال: إذا نظرنا الى تطور النفقات العامة والإيرادات العامة بداية من سنة 2000 الى اليوم، سنجد أننا في عام 2000 كانت سنة الأزمة المالية في آسيا، وكانت شديدة الوطأة في شرقها، وكانت الكويت مهددة في تلك الفترة بأنها لا تستطيع أن تدفع رواتب الموظفين، بسبب انخفاض إيرادات النفط، وكان المتوقع أن يتم النظر بجدية لمعالجة مثل هذه المشكلة، في عام 2000 كان إجمالي الميزانية العامة 3 مليارات دينار وإجمالي الأجور لا يتجاوز مليارا.وقال المجرن: نحن واصلنا بعد ذلك تضخيم هذه المعدلات في الإنفاق، في الوقت الذي كانت الايرادات تتزايد، لكن لم يكن بمعدل النفقات العامة، مشكلة المالية العامة هي أننا لا نعي وجود هذه العلاقة الطردية (المثبتة علميا) بين تضخم أجهزة الدولة والبيروقراطية التي تنمو مع هذا التضخم، وما تؤدي اليه من تضخم الميزانية، من يحدد الميزانية هي الوزارات والجهات الحكومية، ثم يصادق عليها المشرّعون، وهم أيضا يعملون على "تضخيم هذا التضخم"، فالميزانيات تتضخم، وبطبيعة الحال هذا التضخم لا يدل على أن النفقات متجهة الى الوجهة التي تؤدي الى تعظيم الإنتاج ولا تحسين الإنتاج ولا تحسين الإنتاجية.وتطرّق الى الهدر في النفقات العامة فقال: دائما كفاءة الإنفاق العام ينظر لها من خلال النظر الى العلاقة بين جودة الحياة بالدولة ومعدل الإنفاق العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وقدّم مقارنة تقيس الإنفاق الحكومي الى الناتج المحلي الإجمالي بين الكويت ودول الخليج، متحدثا عن الفروق الكبيرة بين الكويت ودول الخليج، بينما لا نجد أن هذه الفروق تنعكس على جودة الحياة.وقال إن الإنفاق لا يذهب الى اتجاهاته الصحيحة، وربما جزء كبير من الإنفاق يذهب على أنشطة لا تؤدي بالضرورة إلى تحسّن مستوى المعيشة، فقد يكون هذا الإنفاق الحكومي عُرضة للفساد الإداري والمالي، فبالتالي جزء كبير من هذا الإنفاق لا ينفع أساسا، وإنما هو موجود كأرقام، الإنفاق على الدفاع قد لا يؤدي الى زيادة الرفاهية الاقتصادية، وقد يكون انعكاسا لارتفاع مستوى الهواجس الأمنية الداخلية، الإنفاق الحكومي المُبالغ فيه قد يكون غير فعال، ويفتقر الى الربح المحقق، وليست به حوافز للإنتاج، إضافة الى أنه يزاحم ويُخرج القطاع الخاص من الأنشطة الاقتصادية.تطرق المجرن أيضا بعض المشاريع التي تم التأخير فيها، والهدر التي نتج عن بعضها والملغاة، مثل مشروع "البترول الوطنية" لإنشاء محطة الدبدبة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، ومشروع الطاقة في شمال الزور، وشركة نفط الكويت ألغت الكثير من المشاريع المدرجة في الخطة، ومشروع السكة الحديد، وتعليق مشروع المترو.وقال إن المشكلات تقسم الى مستويين؛ الأجل القصير والأجل الطويل، ولدينا مشكلة مالية، وحلّها يتطلب معالجة استثنائية سريعة وعاجلة، فموجودات صندوق الاحتياطي العام شارفت على الانتهاء.واتفق المجرن مع السعدون على أنه يجب تغيير الإدارة الحكومية لنستطيع الخروج من الأزمة، مضيفا: يجب أن تتحول الحكومة من دورها كمقدم ومزود للخدمة الى دور المنظم والمراقب للنشاط الاقتصادي، فهي ليست منتجاً ولا منافساً للقطاع الخاص، بل تعمل على زيادة مساهمته في الأنشطة الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات.