تزامن صدور آخر تقرير لمؤسسة ستاندرد آند بورز لتصنيف الكويت الائتماني مع قبول استقالة الحكومة، بعد نحو شهر على تشكيلها، في مؤشر سلبي أكثر حتى من سلبية النظرة المستقبلية التي أوردها التقرير عن واقع التصنيف الائتماني للبلاد، لأن هذه الاستقالة لا تعني فقط توتراً في الوضع السياسي المحلي، بل تعني -بشكل أوضح- تراجعاً إضافياً في مجابهة تحديات الاقتصاد الملحّة.ومع أن تصنيف "ستاندرد آند بورز" الأخير كرر في مبرراته ما تورده العديد من مؤسسات التصنيف الأخرى الزميلة، مثل "موديز" و"فيتش"، كمسائل الأثر السلبي لجائحة "كوفيد- 19" على الاقتصاد الكويتي ونتائج انخفاض أسعار النفط على المالية العامة للبلاد، فضلاً عن مخاطر تصاعد المصروفات العامة، مع التركيز على حلول كالخصخصة أو فرض الضرائب، إلى جانب تكرار تحميل المجتمع مسؤولية الإخفاق الاقتصادي، رغم عدم توليه مسؤولية إدارة ملفاته، من خلال اعتبار أن زخم الإصلاح الشامل بطيء ومعقّد بسبب ما أسماه بـ "علاقة المواجهة بين مجلس الأمة والحكومة"، فإن في تقرير "ستاندرد آند بورز" ما هو جديد وأكثر إنصافاً في القراءة الواقعية للحالة المالية للبلاد، خصوصاً في الشق المتعلق بكفاءة السلطة التنفيذية.
فقد استعرض التقرير، لأول مرة، جانباً من مخاوف عدم فعالية الحلول، التي سبق أن نادت بها أكثر من مؤسسة تصنيف، ومن بينها ستاندرد آند بورز نفسها، والمتمثل بضرورة الإسراع بدخول أسواق الدين العام للاقتراض، إذ حاكت المؤسسة في تقريرها الأخير توقعات عدد من الاقتصاديين المحليين في أكثر من محور، مثل أن الأموال المتأتية لخزينة الدولة من الاستدانة (الدين العام) ستنفد خلال 3 سنوات، إذا استمر العجز حتى عام 2024 دون اتخاذ إجراءات إصلاحية هيكلية للاقتصاد.كما تطرق إلى "الحلول المؤقتة" التي اتخذتها الإدارة الحكومية خلال الأشهر الماضية، كتعليق تحويل مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة البالغ 10 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة، ومبادلة الأصول والسيولة بين صندوقي الاحتياطي العام والأجيال القادمة، فضلا عن الإشارة الى جانب مهم من الإخفاق الحكومي بإدارة الاقتصاد فيما أورده التقرير بـ "عجز المؤسسات عن قدرتها على إيجاد حلٍّ مستدام طويل الأجل بشأن الاحتياجات التمويلية".
عقلية التشكيل الحكومي
ولا شك في أن أي تصنيف ائتماني يجب التعامل معه كرأي لا يخلو من الحصافة والمهنية، لكن ليس كل ما يرد فيه يناسب أي بلد أو مجتمع في مختلف الأحوال، خصوصا في الخيارات التي تخلو من العدالة في فرض الضرائب أو تحميل القادمين لسوق العمل مسؤولية وعبء الفشل التنفيذي المتراكم في خلق فرص عمل متاحة للشباب الكويتيين على المديين المتوسط والطويل، فالتصنيف الائتماني مهما كان فهو وصف لوضع مالي في فترة وظرف معينين أكثر من الحالة الاقتصادية، ويتعلّق بمراجعات فصلية أو سنوية، أو حتى بأوضاع طارئة محددة جيوسياسية واقتصادية وغيرها، وهو موجّه للجهات التي تمنح الائتمان، أي الدائنين، وأيضاً موجَّه للمستثمرين الأجانب، وهو مصحوب عادةً بما يعرف بالنظرة المستقبلية التي تأخذ واحدة من 3 صور؛ "إيجابي" أي متفائل باحتمالية رفع التصنيف، أو "سلبي" يعبِّر عن التشاؤم من أداء الاقتصاد -وهو ما ورد في تصنيف الكويت- ويشير إلى احتمالية تراجع التصنيف في المستقبل، والأخير "مستقر"، وغالباً ما يعكس ثقة المؤسسة باستمرار التصنيف الحالي للدولة وثباته.على الصعيد العملي، لا يمكن في أعلى درجات التفاؤل أن تختلف العقلية التي شكلت الحكومة قبل شهر عن العقلية التي يفترض أن تشكلها خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، وهي عقلية لم تكن ناجعة في سنوات الفوائض، فكيف بسنوات العجز من حيث الاعتماد على معايير غير فنية؛ مثل المحاصصة القبلية والمذهبية والحصة المضمونة لأبناء الأسرة الحاكمة من الوزارات؟ إذ لطالما طغت معايير الولاء على الكفاءة، مع تأكيد أن الحكومة -خلال شهر من تشكيلها الى استقالتها- لم تقدّم برنامج عملها، في وقت تتنامى التحديات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، مقارنة بأي زمن آخر.فشل وشعبوية
واحدة من أهم مشكلات الإدارة العامة في الكويت -والتي ستتبين أكثر في ظل نضوب السيولة من صندوق الاحتياطي العام، واستسهال اللجوء الى مبادلة الأصول وربما تسييلها لاحقاً مع صندوق احتياطي الأجيال- أن السلطة التنفيذية القائمة على المحاصصة و"الجينات الوراثية" لا تمتلك البرنامج الواضح في التعامل مع التحديات، وأهمها الاقتصادية.في المقابل، فإن الفشل في هذه التحديات سيرفع من حجج نواب شعبويين يمثلون كيانات اجتماعية وفئوية، لا أحزاباً سياسية ذات برامج، في تقديم وتمرير مشاريع تستنزف سيولة الدولة وأصولها... وعندها لن يكون القلق فقط على تصنيف البلاد الائتماني، بل أيضا على قوة العملة الوطنية ونمو معدلات البطالة وتخلّي أو تقليص الدولة لإنفاقها على الخدمات والعديد من مظاهر التدهور التي يمكن تلافيها لو عزمت السلطة التنفيذية -بصفتها الأوسع نفوذا- فعلا على إطلاق مشروع إصلاح شامل للإدارة والاقتصاد، ذي تكلفة محدودة اليوم، قبل الكلفة الباهظة في المستقبل.