دشن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ولايته بخطى داخلية واثقة، توحي بقطيعة تامة مع خط سلفه الجمهوري دونالد ترامب، وتتوج مسيرة متواصلة منذ نصف قرن، مع نية معلنة ليكون في الجوهر والشكل رئيساً مختلفاً تماماً.وفور تنصيبه، أمس، ليصبح الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة، وقع بايدن في المكتب البيضاوي 15 أمراً تنفيذياً تبطل إجراءات سابقة لترامب حول الأزمة الصحية والهجرة والمناخ وقضايا أخرى.
وفي يومه الأول، أطلق بايدن، أمس، خطة مبنية على "العلم والبيانات والصحة العامة وليس السياسة"، لكبح انتشار فيروس كورونا، وأمر بوضع الكمامات والالتزام بالتباعد الجسدي في جميع المباني الاتحادية، وتطوير برنامج للكشف عن إصابة الموظفين الاتحاديين بالوباء، وتوجيه الوكالات إلى "اتخاذ إجراءات فورية لطلب الامتثال لإرشادات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها".وقبل أن يدلي بايدن بتصريحات علنية عن جهوده لمواجهة الوباء، وقع بايدن لاحقاً أوامر لفرض وضع الكمامات في المطارات وفي وسائل معينة للنقل العام، منها الكثير من القطارات والطائرات والحافلات بين المدن، وآلية "كوفاكس"، لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة. ووضع بايدن كذلك حداً لقرار منع دخول الولايات المتحدة يشمل مواطنين من دول أغلبيتها مسلمة، وهو من أول الإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب، وإلغاء تصريحه الممنوح لخط أنابيب النفط المثير للجدل (كيستون إكس.إل).
أول التعيينات
وفي ترجمة فورية لإمكان تمرير تعييناته وتثبيت مرشّحيه لتولّي حقائب الدفاع والخارجية والخزانة، صادق مجلس الشيوخ، أمس الأول، على تعيين المسؤولة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" أفريل هينز مديرة لأجهزة الاستخبارات الوطنية، لتصبح أول عضو في حكومته يتم تثبيته في منصبه.وبأغلبية 84 صوتاً مقابل 10 أصوات، أصبحت هينز أول امرأة في تاريخ الولايات المتّحدة ترأس أجهزة الاستخبارات في الولايات المتّحدة البالغ عددها 18 جهازاً.طمأنة الحلفاء
وفي رسالة إلى الخارج، شدد بايدن على أن الولايات المتحدة ستعود إلى تحالفاتها التي شهدت تقلبات في عهد ترامب، لافتاً إلى أن إدارته ستصحح أخطاء الماضي وستعود لقيادة العالم وستكون شريكاً موثوقاً.وأعرب الأمين العام لمجلس التعاون نايف الحجرف، أمس، عن تطلع دول الخليج الست للعمل المشترك مع بايدن، مؤكداً حرصها على "العمل لتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم".كما هنأ الحجرف، كمالا هاريس بتنصيبها نائبة للرئيس، متمنياً لهما "التوفيق والنجاح وللشعب المزيد من التقدم والازدهار".بكين وروسيا
وفي تهنئتها، استخدمت بكين، أمس، كلمات من خطاب بايدن، لتدعو هي أيضاً إلى "الوحدة" في العلاقات، التي تدهورت لأدنى مستوياتها في عهد ترامب، بعد شنّه حرباً تجارية وتكنولوجية عليها.وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشانيينغ: "لاحظت أن الرئيس بايدن شدّد مرات عدة في خطابه على كلمة وحدة. أعتقد أن هذا تحديداً ما نحتاجه حالياً في علاقاتنا".وفي حين أعلنت بكين فرض عقوبات على 28 مسؤولاً سابقاً في إدارة ترامب بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، دعيت تايوان رسمياً لحضور حفل تنصيب بايدن، في سابقة منذ 1979 استفزت بكين.ونشرت المبعوثة التايوانية شاو باي-كهيم صورة لها أثناء مراسم التنصيب الأربعاء، وكتبت أنها "تشرفت بتمثيل شعب وحكومة تايوان هنا أثناء تنصيب بايدن".وأملت روسيا بعمل "بناء أكثر" مع إدارة بايدن بشأن مسألة تمديد اتفاقية "نيو ستارت" للحد من الترسانة النووية، مطالبة بأن "تظهر الإدارة الجديدة موقفاً أكثر إزاء الحوار" حول هذا الموضوع.وفي حين اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن "الكرة في ملعب" بايدن بشأن العقوبات والاتفاق حول البرنامج النووي، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن مسألة إيران ستكون جزءاً من المشاورات المبكرة لبايدن مع نظرائه الأجانب وحلفائه، موضحة أنه يسعى إلى تعزيز القيود النووية عليها، حتى العودة إلى تطبيق كافة التزاماتها حسب الاتفاق، الذي انسحب منه ترامب.ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بايدن ونائبته هاريس إلى "العمل لتعزيز التحالف ومواصلة توسيع نطاق السلام مع العالم العربي ومواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها تهديد إيران".وفي الأراضي الفلسطينية، أشار الرئيس محمود عباس إلى التطلع "للعمل سوياً" مع بايدن الذي دعته حركة "حماس" بدورها إلى "تصحيح مسار" السياسات الأميركية.قائمة أوروبية
وفي ظل ترحيب أوروبي حار، وعد بايدن بتحسين العلاقات مع الحلفاء، قبل أن يجري اليوم اتصالاً هاتفياً برئيس وزراء كندا جاستن ترودو، في أول تواصل له مع مسؤول أجنبي.وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبايدن "مرحباً بعودتك" إلى اتفاق باريس للمناخ، في حين أكّدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها "تتطلّع لفتح فصل جديد" من العلاقات.وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي تعرض لانتقادات بسبب علاقته الوثيقة بترامب، إنه يتطلع "للعمل عن كثب" مع بايدن في المعركة ضد "كوفيد 19" وحول التغير المناخي والدفاع والأمن، وفي تعزيز الديموقراطية والدفاع عنها، أهدافنا واحدة وستعمل دولنا يدا بيد لتحقيقها".وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي رحب "بحرارة" بقرار العودة إلى اتفاق باريس، بايدن بأن يضع "أهدافاً طموحة جديدة" في هذا المجال يتم تنفيذها خلال السنوات العشر المقبلة.وإذ اعتبرت رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أن أوروبا "لديها من جديد صديق في البيت الأبيض بعد أربع سنوات طويلة"، وجهت رسالة بنبرة مختلفة بأن الاتحاد الأوروبي مستعد لإعادة ضبط العلاقات عبر الأطلسي، واقترحت عدة مجالات للتعاون في سبيل تحقيق هذه الغاية، منها إنشاء مجلس جديد للتجارة والتكنولوجيا.وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال: "أريد أن أوجّه بشكل رسمي اليوم، في يوم تسلّم بايدن مهامه، دعوة إلى أن نبني معاً ميثاقا تأسيسيا جديدا من أجل أوروبا أقوى، ومن أجل ولايات متحدة أقوى، ومن أجل عالم أفضل".وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: "يشكّل اليوم بداية فصل جديد للتحالف العابر للأطلسي".وأشاد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي "بيوم عظيم للديمقراطية، تتخطّى أهميته الحدود الأميركية". وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إن "فوز بايدن يمثل انتصارا للديمقراطية على اليمين المتشدد".وأكد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أنه يتطلّع إلى تحسين العلاقات، داعياً إدارة بايدن إلى التغلّب على "شيطنة" التشافيزية و"طيّ صفحة حفلت بالأكاذيب بعد أربع سنوات من الوحشية الترامبية".ورحّبت الحكومة المكسيكية بتوقيع بايدن في أول يوم له في البيت الأبيض أمراً تنفيذياً علّق بموجبه بناء جدار عند الحدود بين البلدين، كما أشادت بعزمه على إصلاح قوانين الهجرة.