مستشفيات اسبانيا تدفع ثمن التراخي خلال فترة الميلاد
أقسام العناية ضاقت مجدداً بمرضى «كوفيد-19»
بعد أقل من شهر من الاحتفال بعيد الميلاد في اسبانيا، لا يزال الطاقم الطبي في قسم العناية الفائقة في مستشفى ديل مار في برشلونة يعمل بلا توقف.أجهزة الانذار الصادرة عن الأجهزة الطبية الإلكترونية تنبه الأطباء والممرضين إلى احتياجات المصابين بـ «كوفيد-19» في القسم الذي يرقد معظم نزلائه وهم غائبون عن الوعي وموصولون إلى أجهزة تنفس اصطناعية.عند أحد الاسرّة، يتجمع ممرضون لتعديل وضع مريض كي ينام على بطنه لتسهيل تنفسه، فيما يتفحص أطباء صورة أشعة تظهر رئة يغطيها البياض بسبب التهاب رئوي.
وفي زاوية أخرى من القسم يعمل معالج فيزيائي على تدليك أطراف امرأة غائبة عن الوعي، قبل أن يعلن الهاتف الداخلي عن «وصول مريض جديد».تصل نقالة تحمل مريضاً من الجناح العام فيتحلق حولها نحو ثمانية أشخاص من الطاقم الطبي، أحدهم يطلب «وحدة أوكسجين» وآخر ينادي لتحضير جهاز تنفس اصطناعي.وقالت الطبيبة مابي غارسيا «نحن مرهقون، أمضينا عاماً على هذه الحال».وأضافت «كنا نعلم أن هذا سيحدث بعد عيد الميلاد لأن القيود لم تكن مشددة بما يكفي، حالياً لا ندري إلى أي مدى سيسوء الوضع، ونأمل فقط ألا يتم تخطي طاقة المستشفيات».تقر غارسيا بأنه منذ أسابيع بات من الصعب العثور على أسرّة فارغة في المستشفى.تضيف «بدأنا اليوم بسريرين فارغين ولكن تم احضار مريض الآن ونتوقع وصول آخر، هذا يعني أن قسم العناية الفائقة قد امتلأ مجدداً بالكامل».
موجة ثالثة
وكما كان يُخشى، سمح تخفيف قيود السفر خلال فترة عيد الميلاد للعائلات بالتجمع ما تسبب بارتفاع كبير في الإصابات وسجلت اسبانيا تالياً أرقاما ًقياسية للإصابات الجديدة مع انتشار الموجة الثالثة من جائحة «كوفيد-19».وتُظهر الأرقام الحكومية أن المستشفيات هي التي تدفع الثمن وتتحمل عواقب هذا الأمر.وعلى مدى الأسبوعين الماضيين ارتفع عدد الأشخاص الذين يدخلون المستشفيات بنسبة 82 بالمئة، بينما زاد عدد الحالات التي تحتاج الى عناية مشددة بنسبة 60 بالمئة، وهذا ما دفع بعض المناطق مثل فالنسيا إلى إقامة مستشفيات ميدانية.مستشفى ديل مار في برشلونة الذي يطل على البحر أنشىء عام 1905 لمعالجة البحارة المصابين بامراض معدية عند وصولهم إلى ميناء المدينة، ولكنه اليوم يشغل أربعة من طوابقه الـ 12 مرضى «كوفيد-19» الذين احتلوا أيضاً قسم العناية الفائقة. كما تمت الاستعانة بقسم الجراحة للتعامل مع مرضى «كوفيد-19» ممن هم في حالة حرجة جداً، وهذا بالنتيجة يقلل من قدرة المستشفى على إجراء جراحات غير طارئة.قلق
وأثار ارتفاع عدد الاصابات قلق المسؤولين الصحيين الاسبان، فقد ازداد عدد الإصابات الجديدة بشكل كبير بعد عيد الميلاد ليرتفع العدد الإجمالي للاصابات إلى أكثر من 2,4 مليون والوفيات أكثر من 55 ألفاً.وقال مدير المستشفى خوليو باسكوال «الأمر لا يشبه التسونامي الذي عشناه في مارس أو أبريل، لكنه أسوأ مما حدث خلال الموجة الثانية» التي بدأت في اسبانيا في يوليو واستمرت حتى أواخر الخريف.وأضاف لوكالة فرانس برس في مكتبه في المستشفى «في نوفمبر لم يكن قسم العناية الفائقة ممتلئاً بالكامل بمرضى كوفيد-19 ولكنه الآن كذلك، في ذلك الوقت، كان هناك طابقان مخصصان لكوفيد-19، بينما الآن وصلنا لنملأ الطابق الرابع».تتحضر دورا لوبيز البالغة 71 عاماً للخروج من المستشفى بعد قضائها 40 في قسم العناية الفائقة وشفائها من «كوفيد-19».قالت لوبيز «في الأيام الأولى في قسم العناية استسلمت لقدري، ولم أستطع التحمل أكثر، شعرت كأني أختنق».على الرغم من أنها واحدة من ستة مرضى أخرجوا من المستشفى في ذلك اليوم بعد تلقي العلاج، إلا أنه كان هناك 13 مصاباً بـ «كوفيد-19» ينتظرون نقلهم من قسم الطوارىء إلى العناية الفائقة.وقالت الطبيبة سيلفيا غوميز المتخصصة في الأمراض المعدية «نحاول تسريع عملية خروج الأشخاص من المستشفى حتى لا يحدث اكتظاظ، ولكن المزيد والمزيد من المصابين يستمرون في التوافد».وأضافت لفرانس «نحن جميعاً متأثرون عاطفياً، وعندما تخرج إلى الشارع وترى أشخاصاً لا يلتزمون القيود، ليس بامكانك فهم ذلك، كما لو أنهم لا يقدّرون الجهد الذي نبذله».وفقاً لدراسة أجراها باحثون من مستشفى ديل مار على 10 آلاف عامل صحي في اسبانيا من أطباء وممرضين، عانى نحو 45 بالمئة منهم مشاكل ذهنية في أعقاب الموجة الأولى من الجائحة.وكشفت الدراسة أن نحو 28 بالمئة ظهرت عليهم علامات الاكتئاب، وهو رقم أعلى بست مرات من النسبة بين عامة السكان، كما فكر 3,5 بالمئة منهم في الانتحار.وقالت الممرضة كارلا مولينا البالغة 29 عاماً «هنا الجميع انتابتهم حالات بكاء، الكثير منا تأثروا بشدة، وحتى ينتهي هذا ونبدأ بالعودة إلى الحياة الطبيعية، فإن هذا سيستمر».حملة التلقيح ضد «كوفيد-19» التي بدأت في اسبانيا نهاية ديسمبر أعطت حالياً بعض الأمل، وكانت بمثابة الضوء في نهاية النفق.وقال باسكوال مدير المستشفى «خلال هذا العام سنتخطى هذا، ولكن أمامنا طريق طويل لنعبره في عام 2021»، مشدداً «لا تزال أمامنا معركة كبيرة».