هل تعديل التركيبة السكانية بالتخلص من فئة الستين؟
"فوق الستين" عبارة تحولت إلى قميص عثمان، وهي تعني عدم السماح لمن بلغ من الوافدين هذه السن، وليس لديه شهادة جامعية بتجديد الإقامة، لأنه لن يكون بمقدوره الحصول على "إذن عمل" من الشؤون مع بداية عام 2021، ومنذ أشهر "وماكينة الإعلام" تعمل على عزف لحن واحد، ما إن تنشر صحيفة الخبر وتنسبه إلى مسؤول ما حتى تبادر أخرى بالدق على الوتيرة نفسها. كنت من الذين كتبوا عن هذه الخطوة وغيري الكثيرين من أصحاب الأقلام، وقالوا كلاماً في منتهى الوضوح.. ذهبتم إلى المكان الخطأ، بتصحيح الخلل في التركيبة السكانية، فهذه الفئة المستهدفة صاحبة خبرة، ليس لنا مصلحة بالاستغناء عنها وهي لن تزيد على الـ150 ألفاً من العاملين في القطاع الخاص، وهؤلاء في النهاية ليسوا من الأرقام الصعبة التي تحدث الخلل! وأيا كانت المبررات التي جرى الترويج لها، فالمتضرر الأكبر هو الكويت كدولة تسعى للاستفادة من أصحاب الكفاءة والمهنية ومقبلة على مشاريع واعدة ستكون بحاجة إليهم تماماً كحاجة القطاع الخاص لهم من أصحاب الشركات والمؤسسات والمصانع والمصالح، والذين يوظفون غالبية هذه العمالة المنتجة وصاحبة الخبرة، لأن البديل سيكون أكثر كلفة وأقل إنتاجية، وهو بالأساس غير متوافر لا بالسوق المحلي ولا خارجه، وفي ظل ظروف الإغلاق والتوقف القسري عن التنقل والخروج والدخول من البلاد.
خلال الأشهر الخمسة الأخيرة التقيت بعدد من أصحاب المؤسسات والشركات، وجرى حديث مع ملاكها عن أثر تلك الخطوة، وكانت محل استغراب أحدهم قال "عندي 35 شخصاً من الوافدين يعملون في شركاتنا بمسميات مديرين ورؤساء أقسام، مضى عليهم أكثر من عشرين سنة في العمل، لديهم خبرات متراكمة، عرفوا السوق جيداً، وعندهم أبناء يدرسون هنا بمدارس وجامعات كويتية، وينفقون ثلثي دخلهم في الكويت.. كيف لي أن أستغني عنهم اليوم؟". وبلغة الأرقام دعونا نستعرض المؤشرات التالية ومن واقع المتغيرات التي حدثت في سنة كورونا وما زالت. هناك ما يلي: • 83 ألفاً من العمالة الوافدة غادروا البلاد نهائياً خلال عام 2020. • إنهاء عقود 2144 مقيماً في الجهات الحكومية المختلفة في الفترة نفسها. • 600 ألف وافد انتهت إقاماتهم وهم خارج الكويت. • 280 ألفاً أسقطت إقاماتهم كانوا خارج البلاد أثناء أزمة كورونا. وبحسبة بسيطة يتبين أن إجمالي العمالة الوافدة التي انتهى وجودها ضمن حدود الدولة لم يعد لها أثر يذكر بلغوا نحو 965 ألفاً. وإذا أضفنا إليهم 220 ألف مخالف للإقامة تحاول السلطات ملاحقتهم من أجل ترحيلهم و74 ألفاً مسجلين على عقود حكومية، انتهت المشاريع التي التزمت بها ودخلوا البلاد على أساسها، باتوا اليوم "تائهين ومشردين" يبحثون عن فرصة عمل! يعني نتحدث عن 1.265 مليون افد يمكننا حذفهم من الرقم الإجمالي للعمالة الوافدة واعتبارهم خارج الدائرة والبالغ عددهم 3.9 ملايين، ليتوقف العداد عند رقم 2.635 مليون نسمة. الواقع يقول إن الوباء الذي زحف علينا أسهم بدرجة كبيرة بتخفيض العمالة وبأرقام عالية ربما لم يكن بالإمكان التخلص منها بالطرق التقليدية، وهذا "إنجاز" إيجابي في حد ذاته يحسب للجائحة، فقد قدم خدمة جليلة بتصحيح الخلل في التركيبة السكانية، والذي طالما استعصى على الحل، وهو يذكرنا بالغزو المشؤوم عام 1990 وهذا بدوره كان العامل الحاسم بتعديل التركيبة السكانية، خاصة لجهة وجود الجالية الفلسطينية والتي وصلت تقريباً إلى نصف مليون نسمة مقابل 750 ألفا للمواطنين وهو رقم "مخيف" كثر الحديث عنه وعن مخاطره في حينه. المهم عاشت الكويت بعد التحرير قليلاً تحت معادلة أن الوافدين باتوا في حدود المعقول قياساً إلى عدد المواطنين، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.. لم تمض فترة زمنية إلا وشهدت التركيبة اختلالات متواصلة إلى الحد الذي تعدى الثلاثة ملايين وافد وأكثر. منهم 750 ألفاً فقط من الخدم! اليوم يعاد الكلام عن (فئة الستين) وتسريب أخبار منسوبة "لمصادر" لا ندري إلى أي مدى سيخدم هذا القرار حقيقة مصلحة الكويت؟