بعض المراقبين والكتاب يرى أن نتائج انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، وكذلك الأحداث التي تجري في المجلس الآن ما هي إلا تعبير عن الغضب الشديد الذي يعتري الشعب الكويتي نتيجة لأخطاء الحكومات الأخيرة، ولسوء الخدمات واكتشاف قضايا الفساد التي طالت كبار المسؤولين، وسيطرة وسائل التواصل التي تنشرها بصحيحها وسقيمها بغير حلول، وتحرض الرأي العام، ولكن ومع تصدي المجلس لهذه القضايا هل سيقف الغضب عند هذا الحد أم أنه سيستمر في المراحل الزمنية المقبلة ويزداد؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال بعد أن نستعرض التحذيرات التالية التي نشرت خلال الأيام القليلة الماضية:
التحذير الأول، جاء في الندوة التي أقامتها الجمعية العلمية الكويتية في الأسبوع الماضي بعنوان (نحو مستقبل اقتصادي مستدام) وتحدث فيها كل من د. عباس المجرن والخبير الاقتصادي جاسم السعدون، حيث ذكر: "لو استمرت الكويت على ما هي عليه، فستخسر عام 2030 من حجم صندوق الأجيال القادمة 340 مليار دولار، ويتبقى فيه 200 مليار دولار، ولو استمرت أسعار النفط خلال السنوات العشر المقبلة بمعدل 60 دولاراً فإن الصندوق السيادي سيخلو بحلول عام 2029، هذا إذا استمر نمو النفقات العامة بالمعدل التاريخي للعشرين سنة الماضية والاعتماد على النفط بالمستوى نفسه". والتحذير الثاني، جاء من خلال ورقة "قبل فوات الأوان" التي قدمها 29 أكاديمياً في المجالات الإدارية والاقتصادية في جامعة الكويت، حيث جاء فيها: "إن كل يوم إضافي من تأجيل بدء التكيف مع المتغيرات الديمغرافية المحلية والتطورات الإقليمية والدولية يقرّب الجيل الحالي من زوال معيشة الرفاهية ويزيد احتمالية حرمان الأجيال القادمة منها"، وجاء فيها أيضاً: "ترسم هذه الوثيقة رؤية يتطلب تحقيقها قرارات جريئة وليست شعبية أحياناً". والتحذير الثالث، جاء في رسالة الجمعية الاقتصادية الكويتية الى صناع القرار، حيث جاء فيها: "إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يدفع الناس ثمن التباطؤ بالإصلاح الاقتصادي ولا يستفيدون بعوائده وهذا بالضبط ما نحن فيه الآن"، وختم هذا البيان بالقول: "رسالتنا الأخيرة مضمونها أن الإصلاح المالي ليس المشكلة بل تأخر الإصلاح الاقتصادي وإهماله، فلم تعد هناك ثروة كافية للتوزيع على المواطنين باستمرار النهج السابق، ولا من امتهن توزيع الثروات وصل إلى إصلاح مالي واقتصادي مستدام، وليس من حق هذا الجيل التصرف بأموال الأجيال القادمة بهذه اللامسؤولية". والتحذير الرابع، جاء في تقرير وكالة ستاندرد آند بورز (s&p) حيث توقعت "أن الاقتراض بمبلغ 20 مليار دينار كويتي يمكن أن يستنفد خلال 3 سنوات إذا لم تتم معالجة مشاكل الاقتصاد الهيكلية". هذه كانت أربعة تحذيرات من جهات متخصصة في فترة زمنية واحدة، وكلها تؤكد الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية عاجلة وإلا ستكون هناك عواقب مالية واقتصادية خطيرة تتآكل فيها الاحتياطيات وتتراكم البطالة وينمو العجز حتى يحول دون الكثير من المصروفات الضرورية وقد تطول معيشة المواطن. وعندها لن يهدأ الغضب بل سيفور وسيزداد وسيلوم الشعب الحكومة بالدرجة الأولى لأن الحكومة كانت لديها كل المعلومات عن هذه الاختلالات المالية والاقتصادية وعن عدم كفاية دخل النفط في المستقبل، وعدم وجود مصادر مالية إضافية، كما أنها تملك قدرة أساسية وأدوات للمعالجة، ولكنها لم تقم بالواجب، وكما يقول صديقي "بوأحمد": "لو كانت الحكومة شفافة لما احتاج الناس لمتابعة الحسابات الوهمية"، وأيضاً سيصب الناس غضبهم على بعض أعضاء المجلس وكثير من المدونين ووسائل التواصل الاجتماعي لأنهم اهتموا بأمور أخرى مهما كانت مهمة، ولكنهم لم يأخذوا هذه التحذيرات على محمل الجد رغم خطورتها على مستقبل الأبناء وتركوا معالجتها حتى دمرت مستقبلهم. وقد نصحني بعض الإخوة المحبين بعدم الكتابة أو تسليط الضوء على قضايا الإصلاح الاقتصادي لأسباب تتعلق بالشعبية وتطاول بعض وسائل الاتصال، ولكني سأستمر أن شاء الله بالقدر الذي تصديت به لقضايا الفساد لأني مؤمن أن هذا الأمر لا يقل خطورة عن الفساد في أثره على بلادنا ومستقبل أبنائنا، كما أني مؤمن أن بإمكان المصلحين السير بخطوات متوازية في الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد معاً، وأيضاً لدي يقين لا شك فيه أن الإصلاح الاقتصادي سيوفر حياة أفضل لأبنائنا في حين لن تؤدي المسكنات وحدها الى شفاء الأمراض الخطيرة لا في الطب ولا في الاقتصاد، ويكفي أن نلقي نظرة واحدة على أهم حاجات المواطن مثل الوظيفة والترقية والمعيشة والسكن، وكيف كانت سهلة وميسرة في أول مجلس شاركت فيه عام 1985، وكيف وصلت الآن من انتظار وفترات زمنية طويلة ومعوقات وبطالة وتضخم وغلاء معيشة. لذلك فإن التنبيه والتحذير من هذا الخطر هو الواجب الشرعي والوطني لكل من علم بحقيقة الاختلالات الاقتصادية وأثرها المدمر، ولننظر بعين متدبرة كيف أهملت دول غنية مترفة التنبيهات المخلصة عن الاختلالات الاقتصادية، ولم تلجأ إلى إصلاحها فأصبحت دولاً عاجزة ويرتفع فيها صوت الغضب ويزداد.
مقالات
رياح وأوتاد: هل سيهدأ الغضب أم سيرتفع ويزداد؟
25-01-2021