الخليج أولاً
ما كنت أتوقع أن يجد مقالي "يا الله حيه... نورت المملكة"، ذلك الانتشار عبر الساحة الخليجية وخارجها، فقد نشرته 4 صحف خليجية والأردن، واطلع عليه عبر "تويتر" المرفق بالمقال 65 ألفاً، وتفاعل معه تأييداً أو رفضاً 2450 مغرداً. وتذكيرا بما غردت به، قلت: "يا الله حيه... نورت المملكة" بهذه الكلمات استقبل سمو ولي عهد المملكة أخاه سمو أمير دولة قطر، فرد التحية بأحسن منها، قائلاً "بوجودك" إنها كلمات ليست كالكلمات، كان لها فعل السحر، فتحت مغاليق قلوب، وأشاعت فرحة خليجية شرحت الصدور وأراحت النفوس، وأزالت الحواجز والسدود. كنت استعرت جملة "كلمات ليست كالكلمات" من قصيدة المبدع نزار التي غنتها ماجدة الرومي. ما سر الأصداء الواسعة للمقال؟ وكيف تفاعل المغردون معه؟
المقال عبر عما في الضمير الجمعي الخليجي، تشوقه وتشوفه الطويلين للمصالحة ورفع الحواجز وفتح الحدود والأجواء أمام حرية حركة الخليجيين بين دول المجلس التعاون وعودة المياه إلى مجاريها، ويمكن تصنيف التعليقات إلى: أولاً: الأكثرية المرحبة بالحدث التاريخي السعيد، وقد حمدت الله على إحسانه بتأليف قلوب القادة وإلهامهم الحكمة والقوة والشجاعة وتوحيد الكلمة. ثانياً: تعليقات عبرت عن فرحتها واستدركت: ولكن في القلب غصة أرجو أن تنزاح.ثالثاً: تعليقات حملت التدخلات الخارجية مسؤولية تحول مسار الأخوة لمصالحها.رابعاً: وأخرى أضافت: نعم، الكلمة الطيبة مثل الشجرة الطيبة تثمر ثمرات محببة.خامساً: وهناك من أضاف: ولا ننسى تركيا والرئيس إردوغان وقفتهم معنا. وكذلك إيران.سادساً: وبطبيعة الحال هناك الرافضون القائلون: كفاكم نفاقاً الكل يعرف الحقيقة!سابعاً: وهناك المستنكرون المتسائلون: إلى متى تبقى سياسات دولنا مرهونة بمزاجيات قادتها؟! الآن: ما دروس الأزمة؟كتاب ومحللون أفاضوا في استخلاص الدروس والعبر وأجادوا، لكنني أرى استنتاجات الصديق سامي النصف، وزير الإعلام الكويتي الأسبق والكاتب والمحلل، هي الأشمل والأعمق، ويمكن الرجوع إلى مقابلاته وحواراته عبر اليوتيوب والفيديو ومختلف الروابط الرقمية.في تصوري فإن أبرز 4 دروس مستخلصة:1- الخلافات السياسية طبيعة كل المنظمات الإقليمية بسبب تنوع الاجتهادات السياسية واختلاف المصالح وتضارب الطموحات بين دول أنعم المولى عليها بالثروة، ترى نفسها مؤهلة لتأدية (دور إقليمي) خارجي، لمسوغات معينة أو ضرورات طارئة، أو لكسب النفوذ السياسي، لكن مهما كانت الطموحات ومبرراتها، علينا تذكير أنفسنا "أن ما يجمعنا أكثر وأكبر مما يفرقنا، وخلافاتنا البينية خلافات مصالح وطموحات وحدود، لكن خلافاتنا أمام التحديات والمخاطر الخارجية خلافات مهددة للوجود". إن جوهر التأزم الخليجي كان مرجعه طموحات دوله لكسب النفوذ السياسي عبر (الدور الإقليمي)، ولم تكن هذه مشكلة، فمن حق أي دولة خليجية أن تكون لها طموحاتها الإقليمية المشروعة، لكن المشكلة حين تتضارب الطموحات الخليجية.2- من الحكمة السياسية اتساع صدر دول المجلس لتنوع الاجتهادات السياسية لبعضها بعضاً، كسياسة لتبادل الأدوار كما الاتحاد الأوروبي، فلا ضير أن تكون لقطر أو عمان أو الكويت علاقة مختلفة بإيران أو تركيا عن البقية، علينا استيعاب هذه الأدوار وتفهمها في سياق الإسهام في خدمة قوة المجلس وحيويته ومرونته.3- كما ينبغي أن تكون هذه الاجتهادات للدول الأعضاء في خدمة هدف واحد، المصالح الخليجية العليا (الخليج أولاً). بحيث لا تكون علاقة دولة خليجية مع طرف خارجي على حساب العلاقة مع الأطراف الخليجية الأخرى، وتأكيد أنه "ليس هناك من هو في دائرة نفوذ الآخر" طبقا للشيخ حمد بن جاسم، عندما كان رئيساً للوزراء 2008.أخيراً: ولعله الدرس المستقبلي الأكبر والأعظم، أنه مهما تصاعدت الخلافات السياسية بين دول المجلس وتعاظمت الحملات الإعلامية التحريضية وقطعت العلاقات الدبلوماسية وتم سحب السفراء وتأزمت الأحوال، فلا ينبغي زج الشعب الخليجي في النزاع، ولا اللجوء لإغلاق الحدود والأجواء أمام حرية حركة البشر والمال والبضائع والخدمات، مرة أخرى ولا نكوص للوراء.* كاتب قطري