عقب نفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام قبل أشهر قليلة، تتسارع الخطوات الحكومية هذه الأيام في عملية استنزاف سيولة صندوق احتياطي الأجيال القادمة.ففي أغسطس الماضي أتمت الهيئة العامة للاستثمار عملية تحويل أصول بنحو 2.1 مليار دينار، معظمها أسهم للهيئة في بورصة الكويت وبورصات أخرى خليجية وعربية؛ للحصول على سيولة نقدية تغطي عجز الموازنة العامة للدولة، لا سيما مع عدم القدرة على توفير الرواتب بعدما أوقفت الحكومة تحويل الـ 10% من إيرادات الميزانية إلى «احتياطي الأجيال»، في وقت تدرس الهيئة حالياً طلباً حكومياً لإعادة كرة مبادلة الأصول بـ «الكاش» عبر نقل أصول المحفظة الوطنية في البورصة وعدد من أصول وملكيات مؤسسة البترول الكويتية وبعض الأصول الحكومية الأخرى إلى «احتياطي الأجيال»، لتوفير سيولة جديدة- لم تُقدَّر قيمتها حتى الآن- لمصلحة «الاحتياطي العام»، فميزانية الدولة لسداد الالتزامات المالية.
وتتعدد مثالب السياسة الحكومية الخاصة بمبادلة الأصول بالسيولة بين صندوقي «الأجيال» و«الاحتياطي العام» في أنها من ناحية أشبه بـ «التحايل» على القانون، حيث الالتفاف على جزئية عدم السماح بالمساس باحتياطي الأجيال إلا بقانون عبر اعتماد نظام المبادلة بما يسمح باستنزاف السيولة في «الأجيال» كما استنزفت في «العام».يأتي ذلك في حين تعاود جائحة كورونا وتحورات الفيروس الظهور في العديد من دول العالم والمنطقة، مما يثير الأسئلة حول مدى إمكانية انعكاس آثارها على الاقتصاد لا سيما أسعار النفط في عام 2021، إن أدت تطورات الجائحة إلى حدوث إغلاقات للاقتصاد في العديد من دول العالم، مما يؤثر، كما حدث في بداية الجائحة، على قطاعات معنية باستهلاك النفط كالنقل والصناعة، وعليه فإننا في حالة أشبه بعدم اليقين تجاه إيراداتنا النفطية وما يترتب عليها من كيفية تمويل الميزانية.ومن ناحية أخرى، فإن تكرار عملية مبادلة الأصول كحلٍّ ذي أثر على المدى القصير في ظل استنزاف السيولة الناتجة عن هذه المبادلة في مصروفات جارية «لا عائد اقتصادياً لها»، كالإنفاق على الرواتب مقابل التلكؤ في القيام بإصلاحات اقتصادية تضمن حداً أدنى من معالجة المالية العامة على المدى القصير كرفع الإيرادات غير النفطية، سيعني بلا شك نفاداً لسيولة «احتياطي الأجيال» على المدى المتوسط كما نفدت سيولة «الاحتياطي العام» البالغة نحو 60 مليار دينار خلال 5 سنوات بسبب العجز المالي منذ عام 2014، أي حتى قبل «كورونا»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بيانات «احتياطي الأجيال» سرية وغير متاحة للمحللين أو المتابعين.مشكلة العجز في الكويت أن جانباً مهماً منه يأتي على شكل عجز في تقديم الحلول لمشكلات المالية العامة والاقتصاد، وهذا العجز أكثر إيلاماً وأشد أثراً من عجز الميزانية المحاسبي... فمعظم الحلول الحكومية المقدمة دفاعية في طبيعتها، تؤجل الصدمة ولا تمنعها، وقصيرة الأمد ومحدودة الأثر، كمبادلة الأصول التي كلما تكررت تراجعت جودتها أو إمكانية تسييلها عند الحاجة، أو كتمويل المالية العامة من توريد الأرباح المحتجزة لدى الجهات المستقلة، أو وقف استقطاع 10% لـ «احتياطي الأجيال»، أو حتى إقرار قانون الدَّين العام الذي توقعت مؤسسة ستاندرد آند بورز نفاد سيولته خلال 3 سنوات، إن استمر العجز دون اتخاذ إجراءات اقتصادية إصلاحية.وفي الحقيقة لا قيمة لأي إجراء دفاعي مهما ارتفعت قيمته أو امتد زمنه إن لم يواكبه إصلاح اقتصادي ومالي شامل، فالكويت إن جمعت من سياسات الاقتراض وتوريد الأرباح ومبادلة الأصول وغيرها 50 مليار دينار، فإن هذا المبلغ- ودون احتساب العجز في سنة 2020 - 2021 وتداعيات «كورونا»- سيُنفق في غضون 4 إلى 5 سنوات، أي أقل من الـ 60 ملياراً التي استنزفتها الكويت من مدخرات سنوات الفوائض والرخاء لسنوات العجز... مع الأخذ بعين الاعتبار أن للسياسات القصيرة المدى كالمبادلة والاقتراض وتوريد الأرباح آثاراً على جودة الأصول وسهولة التسييل وارتفاع خدمة الدين وفوائده، فضلاً عن إنفاق مدخرات مليارية على مصروفات استهلاكية جارية.
أخبار الأولى
مبادلة الأصول... استنزاف لسيولة «احتياطي الأجيال»
26-01-2021