ليس سراً أنه توجد أطراف في الأسرة الحاكمة مازالت تنظر للدستور والنظام البرلماني الذي تبناه على أنه غلطة تاريخية، هؤلاء يعيشون حالة حنين للعودة بالكويت لإمارة المشيخة، بسلطة مطلقة، وبالتخلي عن الدستور والمشاركة الشعبية الفعلية التي حددها الدستور ووضع تفصيلاتها، ولذا فهم يعملون ويحرضون ويسعون بكل فرصة وبكل مناسبة للتخلي عن الدستور والنظام البرلماني المقرر فيه.هذا الفكر وهذا النمط من التفكير هو سبب تعثر التجربة البرلمانية في الكويت، وليس سببه الدستور ذاته، ولا النظام البرلماني بطبيعته، ولا التوجهات الشعبية الناضجة في المشاركة والإدارة والإصلاح.
فهذا النمط من التفكير، ولّد العديد من التوجهات، همها الرئيسي إفراغ الدستور من محتواه والنظام البرلماني من طبيعته.ولذلك فقد شهدنا العديد من المحاولات تجاه تحقيق تلك الغاية، بتزوير انتخابات 1967، وفي حل مجلس الأمة خارج رحم الدستور وتعطيله عامي 1976 و1986، وفي العبث بالدوائر الانتخابية ونظام التصويت، وفي ترتيبات نقل قيود الناخبين، وفي التجنيس السياسي العشوائي، وفي استخدام حل البرلمان للتخلص من مجالس الأمة القوية بأعضاء معارضة، وفي تشكيل حكومات عديدة بعيدة عن مخرجات الانتخابات، وبغياب برنامج للحكومة وخلق أزمات سياسية، وفي تدوير مشكلات المواطنين وعدم حلها، رغم وضوحها وسهولتها، وفي التدخل في انتخابات مجلس الأمة مع مرشحين وضد آخرين، بل والتدخل بتكوين مجلس الأمة الداخلي من رئاسته للجانه، لتعطيل جلساته بغياب أو اعتذار الحكومة، وبغيرها من أمور.وعلى مدى حقبة زمنية امتدت ستين عاماً لم تنفع أي من المحاولات السابقة في ثني الكويتيين عن تمسكهم بالدستور وإصرارهم على دعم ونجاح نظامهم البرلماني وحقهم في المشاركة السياسية وإدارة شؤون الدولة، فكانت قدرتهم وتكيّفهم مع أي تأثيرات على خياراتهم، لافتة في سرعتها ورشاقتها في استيعاب وامتصاص التغييرات أو النكسات، وتحقيق اختيارات نيابية قوية ومناسبة، لإعادة التوازن للوضع السياسي والبرلماني، بما يحقق الحفاظ على المنظومة الدستورية بضماناتها. وهو ما يخلص إليه أي باحث أو راصد موضوعي.في ظل تلك المعطيات والحقائق والواقع الذي ترسخ عنها، لا بد أن تغير السلطة نمط تفكيرها وتجعل ذلك ثقافة ومدخلاً لأبنائها، للخروج من حالة الحنين تلك أو العيش في كنف أصدائها، لتتجاوب مع اتجاهات الشعب وإفساح المجال للدستور والنظام البرلماني أن يأخذ مساره الطبيعي، دون حساسية أو تردد، للحفاظ على قوة الأسرة ومرجعيتها وحيادها، وللنأي بها عن مواضع التجريح التي أرهقتها، وهي في غنى عنها، خصوصاً أن الكويتيين يلتفون حول أسرة الحكم في شتى الظروف والأزمات، ولا يرون وجوداً واستقراراً لبلدهم إلا بأسرة الحكم التي بايعوها ويدينون لها بالولاء الذي ليس له نظير، وهو ما أثبته الواقع والأحداث.وفي ظل تلك المعطيات والحقائق والواقع الذي ترسخ عنها، فإن تشكيل الحكومة وبرنامجها يجب أن يبنى على المنطلقات الصحيحة ومنه الخيارات الشعبية، عبوراً بسفينة الوطن لدولة القانون والمؤسسات بمسارات تحقق الاستقرار والإصلاح والتنمية والرخاء للمواطنين، كما قصده الدستور والآباء المؤسسون.فمن المنطقي بالأنظمة البرلمانية أن يكون البرلمان معبراً عن إرادة شعبية حرة، بنظام انتخابي قويم وعادل، خال من الشوائب والظواهر السلبية، ومن المنطقي في ظل هذا النظام أن يحظى رئيس الوزراء بدعم أغلبية برلمانية، أو يتمكن من تأمينها، ومنطقي أن يستمر هو وحكومته بحيازة ثقة البرلمان إلى جوار ثقة سمو الأمير، وهنا تتجلى فكرة ركائز الوزارة البرلمانية ومسؤوليتها السياسية، وعليه فمن غير المنطقي أن تتدخل الحكومة بفرض من يتولى مسؤولية المناصب القيادية بالبرلمان ولجانه، رغم أنه لا يعبر عن إرادة الأغلبية البرلمانية، وما يفرزه ذلك من توترات سياسية تسعى من خلالها الأغلبية البرلمانية إلى التعبير عن رفضها لفرض الحكومة إرادتها على المجلس، من خلال مساءلة رئيس الوزراء، وهو مسار غير منطقي، كل من السلطة ورئاسة الوزراء في غنى عنه، ولنتجاوز إشكالية الأغلبية... وحكومة الأقلية... بخيار منطقي ودستوري.
أخر كلام
إشكالية الأغلبية... وحكومة الأقلية
27-01-2021