على وقع الاحتجاجات الشعبية العارمة ضدّ الطبقة الحاكمة، وخلافات سياسية حادة، استطاعت حكومة هشام المشيشي المعدلة في تونس، انتزاع ثقة البرلمان بعد عملية وُصفت بأنها «قيصرية».

فبعد جلسة صاخبة تواصلت لساعات متقدّمة من فجر أمس، صادق البرلمان على منح الثقة للوزراء الجدد بغالبية مريحة، في أعقاب تعديل وزاري فتح معركة سياسية ودستورية بين رأسي السلطة التنفيذية.

Ad

وأعلن المشيشي، وهو تكنوقراطي عيّنه سعيّد، منذ أسبوع عن تعديل حكومي شمل 11 وزارة، بينها الداخلية والعدل، موضحا أن الخطوة تأتي بعد عملية تقييم شاملة، بهدف الرفع من مستوى النجاعة، ومزيد إحكام تطبيق سياسة الحكومة وتنفيذ خططها.

وشهدت الجلسة البرلمانية، تبادل اتهامات بين الكتل المساندة لرئيس الحكومة، أي «النهضة» و«قلب تونس» و«ائتلاف الكرامة» من جهة، ونواب المعارضة من جهة أخرى، ولا سيما «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» الذين نددوا «بتمترس قوات أمنية ومدرعات أمام البرلمان بالتزامن مع انعقاد الجلسة».

وشهد محيط البرلمان حضورا غير مسبوق لقوات الأمن والمدرعات العسكرية التي منعت عشرات المحتجين من الوصول إلى محيط المجلس.

ويخشى مراقبون من أن يزيد التعديل الحكومي في تأجيج الصراع بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي انتقد خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الأمن القومي، التعديل الوزاري، واصفا إياه بـ «غير الدستوري»، وأبدى تحفظات عن بعض الوزراء الجدد، بحجة تورّطهم في قضايا فساد، منبها إلى أنه «لا مجال» لأن يؤدي هؤلاء اليمين الدستورية أمامه، مما فتح جدلا دستوريا حول مشروعية هذا الإجراء وتداعياته، وما اذا كانت اليمين الدستورية ستصبح «عصا الرئيس الغليظة» بوجه وزراء المشيشي.

وفي ظل غياب المحكمة الدستورية، تباينت مواقف الأحزاب وخبراء أساتذة القانون الدستوري، بين مؤيد لتصريحات سعيّد في مشروعية أداء الوزراء القَسَم أمامه، وبين حدود صلاحياته وعواقب رفضه الامتثال لهذا الإجراء، والتي قد ترتقي لـ «الخطأ الجسيم» الموجِبة لإجراءات عزله.

وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ القانون الدستوري، معتز القرقوري، أن «حكومة المشيشي تستمد شرعيتها أساسا من البرلمان الذي منحها الثقة»، لافتا إلى أن رئيسها «غير ملزم دستوريا القيام بهذه الخطوة».

وشدّد على أن «رئيس الجمهورية باعتباره الضامن لاحترام الدستور ولاستمرارية عمل الدولة، ملزم باحترام الإجراء المتعلق بأداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه».

وأشار إلى أن «امتناع الرئيس عن أن يؤدّي أعضاء الحكومة اليمين يرتقي لدرجة الخطأ»، لافتا إلى أن «الشبهات التي تطال بعض الوزراء يحسمها القضاء وليس السلطة التنفيذية».

من ناحيته، انتقد أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، غياب المحكمة الدستورية وضبابية النصوص الدستورية المتعلّقة بإجراءات تشكيل الحكومة ونيلها الثقة وأدائها اليمين الدستورية، لكنه شدد في المقابل على مشروعية تأويل رئيس الجمهورية للدستور.

وقال خبير القانون الدستوري، رافع بن عاشور، إنّه لا يمكن من حيث المبدأ لرئيس الجمهورية رفض استقبال الوزراء المقترحين في التعديل الوزاري لأداء اليمين، وأضاف أن للرئيس في هذه الحالة اختصاص ضيّق، إذ إنه يلعب دور الشاهد عندما تؤدي شخصية أمامه اليمين، بمعنى أنّه ليس من صلاحياته تقدير إذا كان يمكن للشخص تأدية اليمين أم لا».

من جهتها، أوضحت أستاذة القانون الدستوري منى كريّم، أنّه «في علاقة بأداء اليمين، يعتبر اختصاص رئيس الجمهورية مقيداً. لم يترك له الدستور خياراً للرفض أو القبول. فهو إذاً مجبر على قبول أداء اليمين».

ولفتت القيادية في «حركة النهضة»، سناء المرسني، إلى أن «سعيد ملزم بمسألة أداء اليمين للأعضاء الجدد في الحكومة أمامه، لأنه يدخل ضمن الاختصاص المقيد لرئيس الجمهورية، والذي قد يعرّضه في حال الرفض لجريمة الخرق الجسيم للدستور والموجِب لعزله».

وانتقدت «التحريض المتواصل الصادر عن رئيس الجمهورية ضد مؤسسة البرلمان ونوابه، ومن عواقب الخطاب الشعبوي»، محذّرة «من تكرار سيناريو الكونغرس الأميركي».

من جانبه، هدّد النائب عن حزب «قلب تونس» عياض اللومي بإطلاق إجراءات عزل سعيّد عبر تفعيل «الفصل 88» من الدستور لـ «تجاوزه مقتضيات النص الدستوري».

وينص «الفصل 88» على أنه «يمكن لغالبية أعضاء البرلمان، المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بغالبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة نرفع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بغالبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يُعفي ذلك من التّبعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه حقّ الترشح لأي انتخابات أخرى».

إلا أن «ما يقف دون اللجوء إلى هذا الفصل هو غياب المحكمة الدستورية التي يعود إليها تأويل النصوص الدستورية، الأمر الذي رفع وتيرة الجدل حول موقف سعيّد في مواجهته مع الحكومة والبرلمان»، حسب اللومي.

يشار إلى أن بعض الوزراء الجدد في حكومة المشيشي تم منحهم الثقة من قبل النواب بغالبية غير مسبوقة وصلت إلى حدود 144 صوتا من مجموع 217، مما اعتبره مراقبون توسّعا ملحوظا في الحزام البرلماني الداعم لحكومة المشيشي. (تونس ـــ وكالات)