وصلنا إلى النتائج الحتمية المشؤومة للدولة الريعية التي طالما تم التحذير منها، ولا أظن أن هناك أملا فيما يُطرح هذه الأيام من حلول للأزمة الحرجة في الكويت المتمثلة بالخلل المالي والاقتصادي وضعف النظام الصحي والتعليمي والإسكاني وعموم قطاع الخدمات والأداء الحكومي في المجال الإنتاجي والثقافي والرياضي والسياحي، لأن من يطرحون الحلوللا يريدون أو أنهم محجورون في أقفاص العقل والتفكير التقليدي الذي لا يغادر منطقة المألوف إلى اللامألوف أو إلى أنوار اللامُفَكَّر فيه.
رزحت البشرية تحت سيطرة المألوف والفهم الظاهري قروناً من الزمن بأن الأرض مركز الكون، لأنهم يرون بحكم الظاهر أن الأرض ثابتة وما حولها من شمس وقمر ونجوم يدور. كوبرنيكوس أول مخلوق بشري اخترق جدار عصر القرون الوسطى المُظلمة فقوَّض الفهم الظاهري عندما انخلع بعقله الفذ من هيمنة بداهات عصره وافترض أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، وبمجرد ثبوت هذا الافتراض انكشفت حقائق مستعصية على الفهم والتفسير من ظواهر الليل والنهار والفصول الأربعة وظاهرة المد والجزر، وجاء من بعده العلماء أمثال جاليليو ونيوتن ليكتشفوا كل الظواهر ويفسروها تفسيرا مقنعا ومثبتا علمياً، وبعدها انفتحت أبواب كنوز العلم والاكتشافات التي قامت عليها كل الاختراعات في كل المجالات، وحصدت البشرية الخيرات والتسهيلات في مجالات الصناعة والطاقة والطب والنقل وغزو الفضاء ووصلنا إلى كل التيسيرات المذهلة التي كانت ضرباً من الخيال، فلا بد من الخروج من سطوة المألوف لكي ننعم بواقع جديد يزخر بالخيرات.واقعنا الكويتي يكمن الخلل فيه في قيام الحكومة بما ليس من اختصاصها، والحل انسحابها من قطاع الإنتاج بكل أشكاله وتركه للقطاع الخاص، ويجب أن ترعى وتحفز هذا القطاع كي يدر عليها الدخل في شكل ضرائب وفرص عمل وتقديم أفضل الخدمات في ظل مبدأ المنافسة الحرة.لابد من الخصخصة للكهرباء والماء وصولا للتعليم والصحة والبريد والموانئ بحرية وجوية وبرية، وإيرادات النفط تُوجَّه للصرف على الأمن وخدمة العدالة والمالية والرقابة والتخطيط وتعزيز البنية التحتية ورفع مستوى الرفاهية للمواطن وكل ما فيه دعم النشاط الاقتصادي.ستنفتح أبواب الكنوز المغلقة ويفيض القطاع الإنتاجي الذي يقوم به القطاع الخاص بكل الخيرات والإيرادات وتغيب المشاكل من تردي التعليم والصحة وتوفير السكن وفرص العمل ورقي الرياضة، وتنعدم الواسطة والشهادات المضروبة، وتتوافر فرص العمل، والأهم يغيب الخلل في الهيكل الاقتصادي المعتمد على مورد وحيد ناضب، وكذلك يتلاشى بسرعة الخلل في التركيبة السكانية إلى الحد المثالي الذي حلم به سمو رئيس الوزراء بأن يكون 30 ٪ وافدين و70 ٪ مواطنين.مع انسحاب الحكومة من قطاع الإنتاج والخصخصة الرشيدة القائمة على المنافسة والبعيدة عن الاحتكار في ظل حكم وسيادة القانون وصرامة مبدأ الثواب والعقاب لن نجد في محيط التداول اللغوي الألفاظ القذرة مثل لفظ (الواسطة والتنفيع) لأن القطاع الخاص يختار قياداته وموظفيه من الكفاءات ومن ذوي الخبرات بلا رحمة ولا انحياز لقريب أو صديق، ولا يوجد فيه تسعير للشهادات، وسينهدم معه معبد ديوان الخدمة المدنية.إيراد النفط سيكون فقط محركاً وداعماً لنمو وحفز القطاع الخاص ومغذياً لرفاهية المواطن عبر صرف دعم العمالة والتأمين الصحي للعلاج في الداخل والخارج والإسهام في دفع كل أو معظم أقساط المدارس الخاصة وتوزيع المنح للمواطنين من توزيع ٢٥٪ من صافي الربح وتوزيع 40 ٪ من قيمة الدعوم البالغة أربعة مليارات على المواطنين شهريا وبحسبة يكون نصيب الأسرة من خمسة أفراد شهريا 1030 دينارا على الأقل بهذا المبلغ يمتص المواطن أي ارتفاعات للأسعار بعد الخصخصة.سينخفض بند المرتبات والأجور من 12 مليار إلى 6 مليارات وبند الدعوم سينخفض من أربعة مليارات إلى مليار ونصف وستنكمش المصروفات الرأسمالية والخدمات 80 ٪ فتكون ملياراً على الأكثر إذا أضفنا الأبواب الأخرى وهي المصروفات التحويلية فلا تتجاوز الموازنة 12 مليارا.هذا لا يمكن إلا بشرط الانخلاع من سلطة وربقة مسلمات وخرافة دولة الرعاية، إلا إذا وقانا الله شر الخبراء والمستشارين من أصحاب العقول المعوَّقة أسيرة أوهام عهود الظلام.
مقالات - اضافات
الانخلاع من بؤس الدولة الريعية
29-01-2021