يبدو أن التوقعات بأن تسلُّم الرئيس الديمقراطي جو بايدن السلطة سيؤدي إلى تغييرات شاملة وسريعة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط قد أخطأت، فقد خفف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، بعد يوم من توليه منصبه، من الاندفاع سواء باتجاه العودة إلى الاتفاق النووي، أو مراجعة الدعم العسكري لدول الخليج، مؤكداً أن التغيير «سيستغرق بعض الوقت».وشدد بلينكن، على أن «الرئيس بايدن أوضح أنه إذا أوفت إيران مجدداً بكل التزاماتها بالاتفاق النووي فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه»، مؤكداً أنه بسبب «توقفها عن الوفاء بالتزاماتها على جبهات عدة. سيستغرق الأمر بعض الوقت إذا اتخذت هذا القرار، للعودة إلى المسار الصحيح، وسيستغرق الأمر وقتا حتى نتمكن من تقييم ما إذا كانت تفي بالتزاماتها. ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك. هذا أقل ما يمكن قوله».
وأكد بلينكن مجدداً أنه «سنستخدم ذلك كنقطة انطلاق لنبني مع حلفائنا وشركائنا، ما أسميناه اتفاقا أكثر ديمومة ومتانة، للتعامل مع العديد من القضايا الأخرى التي تطرح إشكالية كبيرة في العلاقة مع إيران». غير أنه قال: «لكننا بعيدون عن ذلك».ولم يوضح بلينكن طريقة حل مشكلة تمسك إيران بأن تقوم واشنطن بالخطوة الأولى، عبر رفع العقوبات، قبل أي شيء آخر.
مبيعات الأسلحة
في الوقت نفسه، أطلقت وزارة الخارجية مراجعة لقرارات حكومة ترامب. وكانت أول نتيجة تعليق واشنطن مبيعات الأسلحة «الجارية» حتى «إعادة التدقيق فيها» للتأكد من أنها تحقق «أهدافها الاستراتيجية»، وبين هذه الصفقات التي جمدت ذخيرة دقيقة للسعودية، وخصوصا مقاتلات من طراز F35 للإمارات.وقال بلينكن، في مؤتمره الصحافي: «بشكل عام، عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة، فمن المعتاد في بداية أي إدارة مراجعة أي مبيعات مُعلقة، للتأكد من أن ما يتم النظر فيه هو شيء يعزز أهدافنا الاستراتيجية، ويدفع سياستنا الخارجية إلى الأمام... هذا ما نقوم به في هذه اللحظة».وتعكس هذه القرارات تغييرا كبيرا في توازنات التحالفات الأميركية، إذ إن السعودية كانت، الركيزة الأساسية لسياسة ترامب المناهضة لإيران. ويشكل تعليق بيع الإمارات طائرات «اف-35» تطورا رمزيا لأنه تقرر في الخريف بعد سنوات من الرفض.خطوة متوقعة
وإذ أكد أن «حزمة إف 35 أكثر بكثير من مجرد بيع معدات عسكرية لشريك»، أكد سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة أن مراجعة السياسات الحالية من الإدارة الجديدة خطوة متوقعة، كما في المراحل الانتقالية السابقة».وقال العتيبة، في بيان: «ستعمل الإمارات عن كثب مع إدارة بايدن حول نهج شامل للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، مضيفاً: «كالولايات المتحدة، فالأسلحة تسمح للإمارات بالمحافظة على رادع قوي للعدوان بصورة متوازية مع الحوار الجديد والتعاون الأمني، فإنه يساعد في طمأنة الشركاء الإقليميين».وفي حين أكد بلينكن مراجعة «عاجلة جداً» لقرار إدراج الحوثيين المدعومين من إيران على لائحة «المنظمات الإرهابية»، قال: «سنركز عليهم فهم احتلوا صنعاء وارتكبوا انتهاكات عديدة ضد حقوق الإنسان واستهدفوا حليفتنا السعودية التي قدمت معونات إنسانية كثيرة لليمن».ورحب بالتطبيع التاريخي للعلاقات مع إسرائيل الذي رعاه ترامب بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، لكنه أشار إلى أنه بدأ بالفعل «النظر» في «الالتزامات» التي قطعتها واشنطن لانتزاع هذه الاتفاقات، من أجل التوصل إلى «فهم شامل» لها.وجدد بلينكن في اتصاله الأول بنظيره الإسرائيلي غابي أشكينازي، الالتزام بأمن إسرائيل، ومواصلة العمل معها عن كثب لدفع السلام في المنطقة.وأشاد بما تحقق من تقدم في «اتفاقات إبراهيم»، مؤكدا اهتمام إدارة بايدن بالبناء على هذا التقدم. وأقر مع أشكينازي بالشراكة الراسخة، والعمل معا على مواجهة التحديات المقبلة.طمأنة العالم
وتعهد بلينكن بطمأنة المجتمع الدولي الذي هزّه ترامب وصُدم بالأزمة التي سبقت تنصيب بايدن، مشيرا إلى أن «العالم يراقبنا عن كثب».وقال خلال حفل مقتضب: «العالم يريد معرفة ما إذا كان بإمكاننا تضميد جراحنا كأمة، ويترقب ما إذا كنا سنقود العالم بفضل قوة نموذجنا»، مضيفا «وإذا كنا سنجنح إلى الدبلوماسية مع حلفائنا وشركائنا لمواجهة تحديات عصرنا الكبرى، مثل الوباء وتغير المناخ والأزمة الاقتصادية والتهديد الذي يواجه الديمقراطيات والنضال من أجل العدالة العرقية والمخاطر التي يشكلها منافسونا وخصومنا على أمننا وعلى الاستقرار العالمي».وأوضح «أن العالم بحاجة إلى قيادة أميركية، وسنضمنها، لأن العالم سيمكنه حل مشاكله ومواجهة تحدياته عندما تستجيب الولايات المتحدة»، منتقدًا النأي بالنفس والنزعة الأحادية للدبلوماسية خلال ولاية ترامب.ورغم أن إدارة بايدن أعادت التأكيد على نيّتها مراجعة الاتفاق التاريخي الموقّع مع حركة طالبان في قطر، أبقى بلينكن مبعوث أفغانستان زلماي خليل زادة في منصبه، وقال: «لقد طلبنا منه مواصلة العمل المحوري الذي بدأه»، مشيراً إلى أنّ أجزاء عدّة من الاتفاق لم تُكشف للعموم.فرنسا واليابان
وخلال أول مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الفرنسي جان- إيف لودريان، أبرز بلينكن الرغبة في «مواصلة التعاون الوثيق» في مكافحة الجهاديين بمنطقة الساحل، و«ضرورة التنسيق الوثيق للتعامل مع الأزمة الإيرانية».وشدّد لودريان على «أهمية مواصلة جهودنا المشتركة لمكافحة الإرهاب» في الشرق الأوسط، وكذلك في منطقة الساحل، ومن أجل الاستقرار والإصلاحات في لبنان، وفق ما أفاد محيطه.إلى ذلك، تحدث بايدن هاتفيا، أمس الأول، إلى رئيس وزراء اليابان يوشيهيدي سوغا، وشدد الجانبان على أهمية «نزع كامل للسلاح النووي» من شبه الجزيرة الكورية.وذكر بايدن خلال المكالمة بالالتزام «الصلب» بحماية اليابان، وأن الدعم الاستراتيجي لها يشمل قوة «ردع واسعة»، مكررا ان هذا الدعم ينطبق على ارخبيل سينكاكو غير المأهول، والذي تطالب به بكين، وتطلق عليه تسمية دياويو.