تحليل اقتصادي : مسّ جيب المواطنين... تم بالفعل
فتح حديث رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد الأسبوع الماضي مع رؤساء تحرير الصحف المحلية عما أسماه "عدم مس جيب المواطن" باب النقاش حول جودة وجدية هذا المصطلح، ومدى تناغمه مع الخطاب الشعبوي الذي تشكو منه الحكومة دائماً، كأحد معوقات إصلاحاتها الاقتصادية.فهذا القول الذي دائماً ما كررته خطابات السلطة التنفيذية بـ"عدم مس جيب المواطن" يختلف بشكل جوهري عن مشاريع "دعم وتعزيز الطبقة المتوسطة"، فالأول ريعي ذو توجه شعبوي غامض في مفهومه، غير منطقي في تنفيذه، أما نتائجه فعلى الأغلب ستصب نحو مزيد من الأعباء على ميزانية الدولة وماليتها العامة، أما الثاني فهو تنموي، يرتكز من ناحية على واجبات الدولة في تحقيق الرفاهية بالمجتمع، ومن ناحية أخرى يمكن اعتباره مدخلاً لحلول تمس قضايا اقتصادية واجتماعية وخدمية تعانيها الدولة والمواطنون على السواء، بل ليست كلها مالية صرفة (كالتعليم والسكن والصحة والحد من التضخم وحتى جودة البيئة)، أي أنه معني بالرفاهية التي ترفع معيشة السكان، وتدعم مؤشرات البلاد التنافسية مقارنة بالمنطقة والعالم.وفي التفاصيل، فإن "عدم مس جيب المواطن" مصطلح ضبابي يطرح العديد من الأسئلة، فهل المقصود منه فقط عدم المس بالراتب؟ ثم هل هو يعني تحلل الحكومة من التزاماتها السابقة خليجياً بتطبيق ضريبة القيمة المضافة؟ أم تراجعاً عن برامج حكومية معلنة برفع الرسوم على الخدمات؟ فضلاً عن ضرورة تحديد ماهية هذا "المواطن" المقصود عدم المساس بجيبه، فهناك مواطن ثري ليس من العدالة معاملته بنفس الدرجة التي يتم بها معاملة المواطن الذي لا دخل له إلا الراتب أو المعاش التقاعدي.
وفي الحقيقة فإن مس جيب المواطن واقع لا محالة، فكل فشل أو تعثر حكومي في سياسة أو خدمة يوازيه تكلفة على "جيب المواطن"، فالتأخر في الرعاية السكنية يقابله أعباء في الإيجارات وأسعار العقار السكني، وتدني المستوى التعليمي الحكومي المجاني يجبر الأسر على دفع آلاف الدنانير لمصلحة تعليم أفضل في المدارس الخاصة، وتأخر الخدمات الصحية الحكومية ينعش أعمال المستشفيات الخاصة، فضلاً عن أن محدودية سياسات الحد من التضخم وحماية المنافسة كلها تفضي في النهاية إلى ارتفاع فاتورة السلع والخدمات على الأسر في الكويت. وفي مواجهة التضخم وما يترتب عليه من ارتفاع الأسعار ثمة أمر تجب الإشارة إليه، وهو أن العديد من دول العالم تتخذ إجراءات لإصلاح الاقتصاد تترتب عليها آثار تضخمية مرتفعة على المديين القصير والمتوسط، أما في الكويت فتكون السياسات المنحرفة سبباً للتضخم دون مبرر إصلاحي، وآخر هذه السياسات عندنا كان ضغط الحكومة على البنوك لوقف استقطاع الأقساط مدة 6 أشهر خلال فترة "كورونا"، مما أدى، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بعوائق الاستيراد، إلى ارتفاع نسبة التضخم إلى أعلى مستوى خلال عام بوصولها إلى (2.7٪)، وهو أمر يعبر عن مشكلة حكومية متوارثة ترى دائماً أن منفعة المواطن تأتي على شكل مبالغ مالية مباشرة.وحتى ما يتعلق بملف العمالة المنزلية التي أنشأت الحكومة لها شركة متخصصة، وألحقتها بقرار يضع سقفاً محدداً لأسعار الاستقدام، فإن النتائج الحقيقية لا تبدو ناجحة، إذ أدت هذه السياسات إما إلى تأخر في الاستقدام، أو إلى عدم الالتزام بالأسعار، وتحولت مشكلة فنية صغيرة إلى أزمة تواجه الكل.ما يجب أن ينتبه إليه الجميع، وفي مقدمتهم بالطبع الحكومة التي تمتلك معظم الحلول وتختص بالتنفيذ، أن الوضع المالي للبلاد لا يسمح بإضاعة الوقت في الحديث الشعبوي عن عدم المس بجيب المواطن، خصوصاً أن أمامنا من الملفات المالية والاقتصادية المهمة كمعالجة عجز الميزانية وتحديات العمالة الوطنية وتعظيم الإيرادات غير النفطية في الفترة المقبلة ما لا يحتمل الضبابية، والمشاريع غير الواضحة أو التي تحاكي العقلية الشعبوية دون تمعن في مخاطر المستقبل.