بحسبة بسيطة هناك نحو 100 كاتب وصاحب رأي موزعين على الصحف اليومية السبع الورقية في الكويت، أي بمعدل يتراوح بين عشرة وخمسة عشر كاتباً تقريباً في كل صحيفة يومية، يكتبون في المحليات وصفحات الرأي والاقتصاد والثقافة والرياضة والأخيرة. لا ندري ما هو نصيب الكاتب من عدد القراء، لكن الملاحظ أن هناك فائضاً بأصحاب الرأي ونحن نقيس قراء الصحف الورقية، وهؤلاء ربما تضاءلوا إلى درجة مخيفة، لكن مقارنة بقراء المقالات على مواقع الصحف الإلكترونية تظهر الفارق الكبير بينهما.
لقد تغيرت المعادلة منذ زمن وهذا أمر مفروغ منه، لم يعد هناك صحيفة مقابل قارئ، بل «الميديا الحديثة» أكلت الأخضر واليابس، والتهمت القارئ نفسه الذي بات أسير السوشيال ميديا.أين تكمن المشكلة إذاً؟ هل في الكاتب وصاحب الرأي وفي العدد الذي أشرنا إليه، أم في القارئ؟ لي زميل هجر الإعلام والصحافة منذ وقت، وله خبرة متراكمة في هذا المجال، كلما التقيته أو نتواصل هاتفيا بادرني بالقول: «هل ما زلت تكتب مقالات؟»، أجيبه: نعم، ثم يكمل «يا أخي عوفك من هالكتابة... أنت تتعب حالك عالفاضي، لم يعد هناك قراء للصحف فتش لك عن شغلة تانية»! هذا الرأي ليس غريباً على مسامعي فهو يتردد كلما كان النقاش يدور حول كتّاب الرأي في الصحف المحلية، لتبدأ المراجعة والمقارنة وغالبا ما يتم الاستشهاد بالزميل والشاعر حمود البغيلي كمثال، لديه 85 ألف متابع حقيقي، وبلغة أيام زمان 85 ألف قارئ، أي ربما ما يعادل توزيع الصحف السبع اليومية، هذا بافتراض استبعاد «متابعي المتابعين» واستبعاد عمليات البيع والشراء لأسماء مشهورة عندها نقف عند أرقام مليونية، وهي بالطبع ليست مقياساً صحيحاً. كانت القاعدة المتبعة في عالم الصحافة، القول إن الأكثر انتشاراً ليس بالضرورة الأكثر تأثيراً، وهذا ما ينطبق اليوم على «ترند» «Foloweres» في عالم السوشيال ميديا. قد يظهر شخص مجهول تماماً ويطرح الأغنية على «التيك توك» يضرب رقم العشرة ملايين متابع، وقد يخرج آخرون بحكايات وقصص وتسجل أرقاماً خيالية، فالرابح هنا «مجهول الهوية» بمعنى أن المسألة صارت موضة الانتشار والمتابعين عبر أدوات سريعة تضاهي سرعة الصاروخ! نعود إلى جوهر الموضوع، معضلة اليوم لم تعد في عدد الكتّاب وأصحاب الرأي بل في القارئ، وفوق هذا في المصداقية، فحتى الأكثر تأثيراً أصابه الخلل، لأن من يملك الملايين من المتابعين هو فعلاً صاحب الجائزة الكبرى، لكن هل يملك المصداقية؟ وأين هي حدود التأثير؟ وما هي الشريحة التي تتابعه؟ الكتابة لم تتغير، مازالت بعض الصحافة العالمية بخير، ولديها عدد من أصحاب الرأي والتحليل ممن لهم قيمة وزن في عالم الثقافة والسياسة وتشكيل الرأي العام، لكن العالم تغير اليوم، وهو يعاني زحف ذاك الغول الذي غطى على ما عداه من وسائل ومن محتوى له معايير مختلفة. من يقرأ اليوم وكيف؟ وهل تراجعت القراءة ولم يعد لها اعتبار في ظل الخمسة الكبار! (فيسبوك– تويتر– إنستغرام– سناب شات– تيك توك» وغيرها؟ صحيح أن القراء هاجروا إلى «العوالم الافتراضية» لكن المعضلة تفاقمت بخلق «قراء جدد» ليس بيننا وبينهم صلة قرابة!
مقالات
لم يعد هناك قراء!
01-02-2021