متى يجب أن يكون بايدن مثل ترامب؟
بعد أربع سنوات من حكم ترامب فإن بايدن محق في الإشارة الى أهمية الوحدة الوطنية، ولكن الخط المتشدد تجاه الصين هو أحد مجالات السياسة القليلة التي يمكن للأميركيين أن يتحدوا خلفها، والأهم من ذلك أنها الطريقة الوحيدة لضمان استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ والنظام العالمي.
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه الافتتاحي أنه "سيتم الحكم على الأميركيين" على أساس "كيفية حلهم للأزمات المتصاعدة في زمننا هذا"، ولقد عبّر عن ثقته بأن البلاد "سترتقي إلى مستوى الحدث"، وتعهد بأن الولايات المتحدة الأميركية "ستتبوأ القيادة ليس بمثال قوتنا فقط، إنما بقوة مثالنا".إن الاختلاف مع الخطاب التقسيمي والانعزالي لترامب واضح تماما للعيان، ولكن تبني نبرة مختلفة أسهل من وقف التدهور النسبي لأميركا، وحتى يتحقق ذلك يحتاج بايدن أن يظهر روح القيادة الحكيمة والمتطلعة للأمام، وهذا لا يعني بالضرورة التخلي عن كل شيء عمله ترامب.إن الاستقطاب السياسي المنهك في أميركا قد عمل على تقويض مكانتها الدولية، فالاعتبارات الحزبية قد عاقت– حتى أنها جعلته مستحيلا- السعي لتحقيق أهداف طويلة المدى للسياسة الخارجية، فالسياسة الخارجية تجاه روسيا المتراجعة، على سبيل المثال، قد أصبحت رهينة للسياسة الداخلية الأميركية.
إن دعوات بايدن للوحدة تعكس إدراكه لذلك، ولكن الحقيقة هي أن معالجة الانقسام العميق في المجتمع الأميركي قد تكون أكبر من قدرة أي رئيس لأسباب ليس أقلها أن العديد من الناخبين الجمهوريين يبدو أنهم تخلوا عن الإيمان بالأدلة والخبرة، وعليه وبدلا من أن يصبح بايدن غارقا في تلك الانقسامات السياسية الداخلية، يجب عليه أن يترفع عن تلك الانقسامات. لكن هناك موضوع واحد عليه إجماع واسع من الحزبين، وهو الحاجة إلى الوقوف في وجه الصين، ولقد أدرك ترامب ذلك علما أن سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين تعتبر إرث سياسته الخارجية الأكثر أهمية، بالإضافة إلى كونها سياسة بنّاءة، وما لم يتبن بايدن نهجا مماثلا، فإن تآكل القيادة العالمية للولايات المتحدة الأميركية سيصبح أمرا محتوما.تعتبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ– وهي مركز اقتصادي عالمي ونقطة ساخنة جيوسياسية- منطقة حيوية لاستراتيجية الصين الفعالة، فالصين التي تدرك الأهمية الكبيرة للمنطقة فيما يتعلق بالنظام العالمي تقوم بإعادة تشكيلها بشكل مطرد من أجل خدمة المصالح الصينية، مستخدمة الإكراه الاقتصادي المتشدد والقمع السياسي والتوسع العدواني من أجل فرض إرادتها من الهملايا وهونغ كونغ إلى بحار الصين الجنوبية والشرقية.إن الطريقة الوحيدة للمحافظة على توازن قوى إقليمي مستقر هو وجود نظام قائم على الأحكام والديمقراطية أو كما وصفتها إدارة ترامب "منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة"، وخلال العام الماضي فإن هذه الرؤية قد دفعت بالدول الديمقراطية في المنطقة لتعميق علاقاتها الاستراتيجية، حتى أنها ألهمت الديمقراطيات البعيدة في أوروبا تطبيق سياسات داعمة، وتحت ظل قيادة إدارة بايدن يجب على البلدان الآن البناء على هذا التقدم الذي تم إحرازه، وإنشاء تجمع حقيقي للديمقراطيات القادرة على توفير الاستقرار والتوازن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.يبدو أن بايدن يدرك ذلك، حيث أوضح نيته في بناء جبهة ديمقراطية موحدة للتصدي للصين، لكنه يخاطر كذلك في تقويض رؤيته الخاصة.بادئ ذي بدء، لم يتبن بايدن مصطلح "منطقة المحيطين الهندي والهادئ" إلا بعد انتصاره الانتخابي، وعندئذ استبدل عبارة "حرة ومفتوحة" بعبارة "آمنة ومزدهرة"، ومع أن "حرة ومفتوحة" توحي تلقائيا بنظام قائم على الديمقراطية والأحكام فإن عبارة "آمنة ومزدهرة" تترك المجال لضم أنظمة سلطوية حتى توليها القيادة، وهذا يتجاهل جوهر التحدي المتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو أن الصين الطامحة لتغيير الوضع الراهن تسعى بهمة ونشاط لتحل مكان الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها القوة المهيمنة في المنطقة. الأسوأ من ذلك أن بايدن أشار الى إمكانية إعادة تشكيل العلاقات مع الصين، وهذا قد يصب في مصلحة الصين، أما سياسة ترامب المتعلقة بالصين فلم تكن تتعلق فقط بالتجارة أو حقوق الإنسان، حيث بعثت تلك السياسة بالرسالة الصحيحة وهي أن الصين دولة شيوعية مفترسة بدون أي شرعية سياسية أو حكم القانون، وهذا ساعد في قلب الموازين لمصلحة أميركا، وخلال العام الماضي فإن التصورات السلبية المتعلقة بالصين وصلت الى مستويات مرتفعة في العديد من البلدان، وفي حين يعود ذلك في الغالب إلى جائحة كوفيد19 وهي صناعة صينية، فإن هجمة ترامب الأيديولوجية والعدوانية الصينية- مثل تصرفاتها العدوانية عند حدودها مع الهند في منطقة الهمالايا- قد أدت دورا في هذا الخصوص.لو قامت إدارة بايدن بالتخلي عن الفصل الاقتصادي والتعامل مع الصين كمنافس رئيس عوضا عن خصم عنيد، فإن هذا سيقلب الموازين بالاتجاه المعاكس، مما سيخفف الضغط عن نظام الرئيس الصيني شي جين بينغ، ويقوض الإيمان بالقيادة الأميركية، وهذا يمكن أن يشجع الصين على زعزعة الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث من الممكن أن تكون تايوان الهدف المباشر القادم. بالإضافة الى ذلك فإن المصالحة الأميركية ستجعل الهند تتراجع عن تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، كما أن من المرجح أن تؤدي إلى عسكرة اليابان التي قد تشكل نقطة تحول ممكنة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فتلك المصالحة ستسهل الجهود الصينية لاستخدام سوقها الكبير لاجتذاب حلفاء أميركا الديمقراطيين، وهي مخاطرة تأكدت من خلال الصفقة الأخيرة بين الصين والاتحاد الأوروبي، وهذا كله سيقوض الجهود لتشكيل الجبهة الديمقراطية التي يتصورها بايدن، مما يضاعف من خطر الاستبداد العدواني للصين.إن أسوأ خيار قد يقوم به بايدن هو السعي لقيادة مشتركة مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما يريد البعض ومن الأمور التي تدعو للقلق أن فريق بايدن لا يبدو واضحا في هذا الخصوص ففي مقال يعود لسنة 2019 تبنى جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، وكورت كامبيل، الخبير في شؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فكرة " التعايش مع الصين" واصفين الصين بأنها "شريك أساسي لأميركا".في واقع الأمر لم يدعُ سوليفان وكامبيل لهيمنة صينية-أميركية مشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وغيرهما، ولكنهما لم يتبنيا الموقف الواضح والضروري والمتمثل بقيام الولايات المتحدة الأميركية بتشكيل تجمع للديمقراطيات من أجل استدامة الضغط المتعدد الأطراف على الصين.بعد أربع سنوات من حكم ترامب فإن بايدن محق في الإشارة الى أهمية الوحدة الوطنية، ولكن الخط المتشدد تجاه الصين هو أحد مجالات السياسة القليلة التي يمكن للأميركيين أن يتحدوا خلفها، والأهم من ذلك أنها الطريقة الوحيدة لضمان استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ والنظام العالمي.* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب منها: «الطاغوت الآسيوي» و«المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا» و«المياه والسلام والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية».
براهما تشيلاني - بروجيكت سنديكت
أسوأ خيار قد يقوم به بايدن هو السعي لقيادة مشتركة مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ