وجهة نظر : لستُ سلبياً لكن المبالغة في المديح تضعف الإنجاز
لست كاتباً ولا صحافياً، ولكن منذ أن ذكّرني صديق مسؤول بمقولة «لا خير فيك إن لم تقلها ولا خير فيّ إن لم أسمعها»، وأنا أشعر بواجب يدفعني للكتابة ونشر الأفكار التي أتمنى أن تجد طريقها لمن يستفيد منها.ثمن الكرسي
هل أصبحت المجاملة والمبالغة في المديح من أكثر المؤهلات المطلوبة لملء المراكز القيادية العليا؟ هل أصبح التأييد وهز الرأس لكل ما يقال ثمن المحافظة على الكرسي؟ سؤالان مخيفان، لأن الإجابة عنها بنعم تعني أن ديمقراطيتنا تسيطر عليها مجموعات ليس من أولوياتها الإصلاح. تعدل القوانين لتناسبها، وتتدخل في انتخابات الطلبة وجمعيات النفع العام التي تضم مهندسين ومحامين ومحاسبين وغيرهم، لتحوّلها الى مراكز نفوذ سياسية لا علاقة لها بالتعليم ولا الهندسة ولا المحاسبة ولا القانون. تُبقي على وزارة الأشغال دون إصلاح، لتنقل مشاريعها الرئيسية الي الديوان الأميري، ثم تخلق الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) لتعفي المسؤولين الحقيقيين من التدقيق والمحاسبة. وتخلق «عافية» لتمنح كبار السن علاجا مجانيا في بلد العلاج المجاني. وبعد عشر سنوات من المجاملة والمديح لهيئة طباعة القرآن، والجهاز المركزي لمعالجة أحوال البدون، يتم التمديد لهم لسنوات إضافية، وكأن عدم الإنجاز دواء نستحق المزيد منه.إبراهيم دبدوبحين يعلن وزير جديد نيّته تكويت الوظائف في وزارته، نعلم أن تحسين الأداء ورفع مستوى الخدمات في الوزارة ليسا من أولوياته، لأن نسبة الموظفين في القطاع الحكومي من المقيمين حوالي 3 بالمئة من إجمالي المقيمين في الكويت.ومن تجاوز الأربعين يعلم أن مستوى الأداء والخدمات في الوزارات كان أفضل حين كانت نسبتهم أعلى من ذلك. تمنيت لو كان الحماس لتكويت ما نحتاج مما لدينا من مقيمين مميزين تربوا بيننا، وأثبتوا جدارة وإخلاصا قبل أن نخسرهم كما خسرنا الكثير، مثل إبراهيم دبدوب الذي قاد أكبر البنوك الكويتية بكفاءة لعدة عقود، ساهم خلالها في تأهيل فريق من القياديين الكويتيين لتسلّم إدارة البنك من بعده.الجرعة الأولىحين ذهبت لتلقي الجرعة الأولى من لقاح فايزر، حسب الموعد المحدد، وجدت مرشدا في مواقف السيارات يسأل إن كنت بحاجة إلى مساعدة. شكرته وسألته إن كان لديه كمّام؟ أجاب بابتسامة جميلة: «الكمام موجود، تفضل، وسوف أوصلك بالسيارة الخاصة لباب الصالة». وخلال دقائق كنت في سيارتي بعد أخذ الحقنة. فحمدت ربي أنني في بلدي الكويت لأستفيد من الخدمات الرائعة، التي تستحق المديح لمن نظّم الإجراءات وجعلها آمنة، وسلسة وسريعة. فتمنيت لو كان من ضمن أهداف التنظيم المميز، تطعيم أكبر عدد في أسرع وقت.أموال سوداءجمعية مشرف من أفضل «تعاونيات» الكويت، ومساهموها فخورون بكفاءة إدارتها. لديها 18 مليون دينار سيولة نقدية متراكمة، وتحقق أرباحا سنوية تقارب 7 ملايين. وزارة الشؤون تفرض على الجمعيات شرط ألا يتجاوز توزيع الأرباح 10 بالمئة من قيمة مشتريات المساهمين. أي أن الملايين الأربعة التي تحققها الجمعية من الإيجارات والبضاعة المجانية، غير قابلة للتوزيع، وكأنها أموال سوداء، على الجمعيات ابتكار طرق أشبه بغسل الأموال لتوزيعها. الوزارة تعلم عن التوزيعات العينية، وتكرّم الجمعية لتميّزها بالعروض الخاصة، وتبرعها لأعمال الخير وصيانة مساجد المنطقة، ناسية أو «لا تعلم» أن الهدف من تحديد التوزيع هو المحافظة على الأسعار منخفضة، حيث تبقى الأرباح في حدود المبالغ القابلة للتوزيع.الكويت في خطرأشاد كتّاب مرموقون ببيان «الكويت في خطر» الذي صدر أخيرا عن غرفة التجارة والصناعة، خاصة بالفقرة التي توصي بزيادة إيجارات أراضي أملاك الدولة، التي لا شك في أنها منخفضة جدا مقارنة بقيمتها السوقية وما تحقق من عوائد لمستغليها. لكن ندرة الأراضي هي سبب ارتفاع الأسعار، وهي في الحقيقة ندرة مفتعلة ناتجة عن قرارات حكومية قديمة، حان الوقت ليعاد النظر بها، لأن المنفعة الاقتصادية من توفير المزيد من الأراضي بأسعار رمزية ستكون أكبر من رفع الإيجارات على المديين المتوسط والطويل. إننا بحاجة إلى خلق 35000 وظيفة سنويا، وقد يتضاعف العدد في السنوات القادمة، والموقع يعتبر من أكثر البنود تكلفة لأي نشاط، والأراضي متوافرة، وبإمكان الدولة استغلالها كعامل جذب لتشجيع المبادرين لتطوير مشاريعهم، صناعية كانت أم زراعية، أو تعليمية، أو صحية، أو ترفيهية أو سياحية. إن الأراضي الصناعية التي منحت للمبادرين الأوائل بأسعار رمزية لتشجيعهم، حققت لهم التنمية المرجوة، ولكن بسبب الندرة وارتفاع الأسعار، تقلصت الفرص وتوقّف الابتكار لمصلحة الوظيفة الحكومية. إن أملاك الدولة هي أملاك المواطنين، ودعمها لهم بالموقع أو المقر يفيدهم أكثر من أي دعم، وبتكلفة أقل على المال العام، لذلك من الضروري توفير مواقع بأسعار في متناول الشباب تشجعهم على العمل والابتكار، ليساهموا في التنمية وتشغيل الأجيال.الخلاصةلسنا بحاجة إلى من يطمئننا بعدم المسّ بجيب المواطن، لأن العلاقة الأبوية التي دامت سبعين عاما بين الدولة والمواطن، وضمنت له مستوى معيشة ودرجة من الحرية يُحسد عليها، لن تتوقف مادامت الدولة قادرة. لذلك نحن بحاجة إلى مصارحة بالحقائق من خلال نقاش مفتوح خال من المجاملات والتصفيق للتوصل إلى رؤية مستقبلية واقعية يفهمها المواطن والمسؤول، ويلتزم بتطبيقها الجميع.