قالت د. سعاد العنزي في مقدمة كتابها «نساء في غرفة فرجينيا وولف»، إن الأدب النسوي يمثل واحداً من أهم ملامح أدب الحداثة في الغرب والشرق، ويعد أحد منتجات العصر الحديث الذي ظهر متأثراً بالثورات الصناعية، والدخول إلى عالم المدن الذي هيأ للإنسان الحديث الاستقرار، وقدم له فرصة كبيرة للالتقاء بالآخر وتنظيم جماعات أدبية وحلقات فلسفية هيأت للأدباء الالتقاء والاطلاع على المستجدات العلمية والفكرية والفنية".

وبينت العنزي أن الوضع في الوطن العربي في مجال الدراسات النسوية تحديداً، لم يزل يعاني عدداً من القضايا الإشكالية، منها: عدم الاتفاق على مصطلح "الأدب النسوي" وعدم تحديد دور الأدب والنقد النسوي والتذبذب بين رفضه وتأييده وأيضاً عدم إدراك أن وجود المرأة الكاتبة والحضور الكمي لا يعني أن المرأة أنجزت منجزاً يمثل قضاياها الخاصة، فلا يزال أمام المرأة طريق طويل من تحقيق الكثير من المطالب التي يمكن أن يكون الأدب عالماً رحباً لمناقشتها، إضافة إلى أنه يظن الكثير من المهتمين بالأدب النسوي أن خروج المرأة للعمل ووجود كاتبات نساء يعني أن النسوية قد وصلت إلى منتهى غايتها، فإذا كان لدينا نساء كاتبات لا يعني هذا أن المرأة قد تم تمكينها بشكل كامل، فثمة نساء من بيئات ثقافية أقل تعليماً وثقافة وحرية وتحتاج إلى أن تسمع صوتها للعالم وأن يتم الدفاع عنها ما دامت غير قادرة على امتلاك أدواتها.

Ad

قراءة جهود

وأوضحت أن الدراسة لا تهدف لمناقشة جهود الحركات النسائية الغربية والعربية عموماً، بل تهدف إلى قراءة جهود ناقدتين تم تجاهل جهودهما النقدية في الوطن العربي لأسباب مختلفة ومتعددة منها ما يتعلق بذكورية الثقافة العربية، وآخر يتعلق بالاهتمامات النقدية للدارسين والمشتغلين في الدراسات الأدبية والنقدية.

وبينت أنها في هذا الكتاب، ستقدم دراسة مقارنة بين فرجينيا وولف ومي زيادة على مستوى الحياة الشخصية والجهود النقدية النسوية المبكرة إذ تلتقي مي زيادة بفرجينيا وولف في أكثر من جانب، لعل أهم هذه الجوانب هي معاناتهما الإنسانية، ورؤاهما النقدية النسوية المبكرة التي لم تجمع في سياق نقدي واحد، وما يدفعها لمقاربة جهود وولف وزيادة والحديث عن أهم عوامل الالتقاء بينهما، ما يلي: أولاً: أنهما كاتبتان تنتميان لعصر واحد متقارب في الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية التي شكلت كل منهما. وثانياً: تقاطعت ظروف حياتهما وصولاً للمرحلة التراجيدية المؤلمة في حياتهما الموت انتحاراً بالنسبة لوولف وشبه انتحار بالنسبة لمي.

وذكرت العنزي أن كلا منهما بحثت في تناقضات الثقافة الذكورية، ونقدتاها نقداً عقلانياً أوضح التحيزات الذكورية ضد المرأة ووضع المقارنات والمفارقات الحادة التي أنتجتها أفكار الفلاسفة مثلما قوضتا أفكار أفلاطون وأرسطو حول المرأة. ومن أهم أمثلة التشابه الدقيق بينهما هو أن فرجينيا وولف كتبت عن أخت شكسبير المتخيلة بينما كتبت مي زيادة عن فيلسوفة في القرن الرابع الميلادي قامت بدور مشابه فقوبلت بالجحود والنكران، كما قارنت تناقضات رؤية فولتير الدونية للمرأة وهو الذي فهم الفلسفة عن طريق امرأة. ورابعاً: كانت كل من فرجينيا وولف ومي زيادة مهتمتين بتوظيف كتابتهما لخدمة المرأة، وقضاياها.

إجابة أسئلة

وأضافت أن الدراسة تعنى بإجابة عدد من الأسئلة: ما هي نقاط التشابه والاختلاف بين فرجينيا وولف ومي زيادة؟ ولِم تم تجاهل جهودهما في الكتابات النقدية العربية الحديثة؟ بينما يتم تداولهما بشكل شبه يومي بوسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تأثرت كل منهما بظروف حياتهما الأسرية، وبالظروف السوسيوثقافية في عصرهما، وأثرت على حياتهما الشخصية وتأثرت سيكولوجيتهما وأنتجت أعراض الصدمة على حياتهما لاسيما في المرحلة الأخيرة من حياتهما؟ وأيضاً كيف عبرت كل منهما عن قضايا المرأة والمجتمع بروح نقدية متقاربة

بدأ هذا الكتاب، بتساؤل مهم عن العلاقة التي من الممكن أن تجمع بين وولف وزيادة، وناقشت مقدمته بعضاً من المناطق المشتركة بين الكاتبتين.

صحيح، أنهما تنتميان لنفس العصر ولدتا وتوفيتا في نفس السنوات، لكن الأولى وولف تنتمي لثقافة ولغة وفكر المستعمر، فيما كانت مي زيادة تنتمي لواحدة من الشعوب المستعمرة، الأمة العربية. ومع هذا، نجدهما ناهضتا الاستعمار بكل أشكاله. أما على مستوى هويتهما الفردية فكانت نقاط الالتقاء كثيرة، أهمها الصدمة التي عاشتها كل منهما على اختلاف تفاصيلها أدت إلى نتيجة واحدة هي الموت: انتحار فرجينيا وولف، وانعزال مي زيادة عن الفضاء العام وصولاً إلى الموت.

الدراسة النسوية

حاولت هذه الدراسة أن تقول إن الحاجة للدراسة النسوية في الوطن العربي، هي أمر ضروري لأكثر من سبب، السبب الأول: إن وضعية المرأة العربية لاتزال وضعية دونية، وإن شرعت القوانين لخدمة قضايا المرأة، إلا أنه مازال البون شاسعاً بين التنظير والتطبيق، وليست غالبية النساء في الوطن العربي قادرة على أخذ حقوقها كاملة.

وهذا الأمر يكثر في مناطق تغص بمظاهر الحياة البطريركية ويقل في أماكن أكثر انفتاحاً وتحرراً. السبب الثاني: أن أدب المرأة ما زال أدباً ناشئاً في كثير من البلدان في الوطن العربي، لا سيما في الخليج العربي مما يعني أن هذا الأدب يحتاج لمراجعة ومناقشة بناءة من حيث اللغة والأسلوب وقدرة المرأة على تمثيل موضوعاتها بحرية من دون خوف من سلطة المؤسسات الثقافية والاجتماعية التي قد تعرقل الأدب الجاد في معالجة القضايا الإنسانية.

وختمت د. العنزي بقولها: "لا يسعني إلا أن أضم صوتي لصوت الناقدة الأميركية إيلين شوالتر القائلة: "شيء واحد هو المؤكد: النقد النسائي ليس ضيفاً عابراً. إنه هنا ليبقى، وعلينا أن نجعله وطناً دائماً". وأنا لا أريد للأدب والنقد النسوي أن ينتهي ولا أريد لهذه الحكاية أن تنتهي.

فضة المعيلي