في حراكٍ يواكب «مرحلة الفرص» التي نتجت عن تسلم جو بايدن السلطة في واشنطن، تغص بغداد بنشاط دولي وإقليمي مكثف وسط أعلى مستويات التوتر السياسي والأمني، إذ بدأ وفد خليجي زيارة للعراق لمراجعة آفاق التعاون في مجالات التجارة والطاقة، بينما غادرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت إلى طهران، حاملة رسائل يقال إنها بالغة الحساسية، حسب البيانات والمصادر.

ويكافح العراق لكبح جماح أجنحة متشددة تريد عرقلة الانفتاح على المحيط العربي والخليجي خصوصاً، ويأمل أن يوسع آفاق العمل المشترك في مجال الربط الكهربائي وبروتوكولات التجارة، لإنهاء قطيعة طويلة سببتها عقود من الحرب والسياسات الخاطئة في بغداد.

Ad

وتنشغل الأوساط السياسية في بغداد بدور جديد يُفترَض أن يلعبه العالم في الانتخابات المقررة الخريف المقبل، لكن الفصائل المسلحة المقربة إلى إيران تُبدي انزعاجاً شديداً من ذلك، خصوصاً بعد تواتر الأحداث وتسارُع التطورات، من نيويورك إلى بروكسل.

وبدأت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة زيارتها لطهران بلقاء علي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي، وأبلغته، وهو وزير خارجية سابق مخضرم، أن العراق يريد انتخابات عادلة في بيئة آمنة، في إشارة إلى خطر سلاح الميليشيات، وضرورة الإشراف الدولي على الاقتراع النيابي المقرر في الخريف.

لكن المستشار الإيراني علّق بوضوح، حسب بيان مكتبه، أن طهران ترفض التدخل الأجنبي في انتخابات العراق، وأنها مستعدة لحماية هذه الانتخابات كما ساعدت في حرب تنظيم داعش.

وكان وزير خارجية العراق فؤاد حسين تحدث بوضوح عن طلب رسمي قدمته بغداد إلى مجلس الأمن الدولي لحماية الانتخابات العراقية، بعد أن طرحت أوساط التيارات الديمقراطية مخاوف جدية من أن تستولي الميليشيات الحليفة لإيران على البرلمان المقبل، وأثر السلاح على قرار الناخبين بوجود ثغرات في النظام الانتخابي.

وتحدث مستشارو رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي عن قرار وشيك يصدره مجلس الأمن ينتج رقابة شاملة فوق العادة على كل مراحل التحضير لانتخابات أكتوبر المقبل، الموصوفة بأنها أخطر اقتراع نيابي سيشهده العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، بسبب تصاعد المواجهة بين حركة الاحتجاجات الوطنية والفصائل، وما يسمى بملف السيادة التي تخرقها قوى اللادولة والسلاح المنفلت.

التطور الآخر جاء من بروكسل مقر البرلمان الأوروبي، الذي قال إنه تلقى طلباً من حكومة الكاظمي للاستفادة من خبرات الديمقراطية الأوروبية العريقة لحماية انتخابات العراق، ومؤسساته الديمقراطية، في ظل تحدٍّ استثنائي.

وتقول المصادر في بغداد إن الاتحاد الأوروبي اشترط لتقديم المشورة والدعم، البدء بحوار حول قانون الانتخابات العراقي الذي يجده أدنى بكثير من معايير أوروبا في توفير بيئة اقتراع آمنة، خصوصاً فيما يتعلق بالدعم المالي الخارجي لمتنافسين متهمين بالفساد، مقابل لاعبين سياسيين جدد من شباب حركة أكتوبر الاحتجاجية يتوقع أن يحصلوا على دعم واسع من الجمهور الناقم على فشل النظام السياسي اقتصادياً وأمنياً.

لكن الدور الدولي الجديد يواجه اعتراضات شديدة من رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي وحلفائه في الفصائل، إذ يعتبرون ذلك بوابة لعودة الوصاية الدولية التي فرضت على العراق منذ عام 1990 بسبب الغزو العراقي الغاشم للكويت.

وجرى تخفيف الوصاية الدولية إلى حد كبير، بعد تحسن أجواء التفاهم بين الكويت وبغداد، ولذلك يحتاج مجلس الأمن إلى قرار جديد يسمح بتدخل القوى العظمى لتقليص وجود الميليشيات في الحياة السياسية، وتوفير بيئة آمنة لأحزاب منبثقة من حركات الاحتجاج، الذين عانوا طوال شهور اضطهاداً وموجات اغتيال بعد أن سقط نحو 30 ألفاً منهم، بين جريح وقتيل ومعاق، إثر أحداث الاحتجاج منذ أكتوبر 2019 .

وقال المرجع الديني علي السيستاني، الذي يحظى باحترام واسع، خلال خطاب شهير إلى الأمم المتحدة الصيف الماضي، إن أمام العراقيين فرصة لتغيير التمثيل السياسي في البرلمان، شرط أن تتوافر رقابة شاملة دولية لحماية الانتخابات.

بغداد - محمد البصري