بنك الخليج : البنوك الكويتية تواجه تحديات في خدمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بصورة مربحة
وحدة البحوث الاقتصادية بالبنك أصدرت تقريراً عن الخدمات المصرفية للقطاع بعد التمويل
أصدرت وحدة البحوث الاقتصادية في بنك الخليج تقريراً خاصاً عن الخدمات المصرفية لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأكد أن رعاية هذه المشروعات ودعم تنميتها يعتبران من العناصر الجوهرية للاستراتيجية الحكومية للكويت، والرامية إلى ريادة القطاع الخاص في تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز الابتكار وإيجاد فرص العمل على أوسع نطاق.ووفق التقرير، فإن حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على القروض لا يزال يتسم بالضآلة في منطقة مجلس التعاون الخليجي، إذ تعاني تلك المشروعات معدلات رفض مرتفعة لطلبات الحصول على القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة (70 في المئة وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي لسنة 2018). وفي التفاصيل، سجلت حصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكويت من الإقراض المصرفي عموماً 4.7 في المئة من إجمالي القروض (2019)، وإضافة إلى عدم كفاية الحصول على التمويل، فإن العقبات الهيكلية والتشغيلية تعوق نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتنميتها.
وتواجه البنوك الكويتية تحديات في خدمة قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بصورة مربحة، إذ تقف أسعار الفائدة على القروض التي يمكنها تقاضيها عند سقف محدد، كما أن عدم كفاية السجلات المالية يجعل من الصعوبة تسعير المخاطر، إضافة إلى عدم كفاية الأصول المتوفرة كضمانات وعدم وضوح الأهداف والتقييم غير الواقعي من قبل رواد الأعمال، مما يشكل تحديات كثيفة للبنوك.وللتغلب على تلك المعوقات، يمكن للبنوك، إلى جانب منح القروض، أن تقدم دعماً غير مالي مثل خدمات الاستشارات والدعم بالتعاون مع جهات أخرى بغية تعزيز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويمكن للبنوك تقديم حوافز للمشروعات الصغيرة والمتوسطة للارتقاء بكفاءتها التشغيلية من خلال تقديم تسهيلات بشروط أكثر يسراً نظير استيفاء مؤشرات الأداء الرئيسية. كما يمكنها مساعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على التصنيفات الائتمانية التي من شأنها تعزيز قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التقدم بطلبات الحصول على القروض في المستقبل.وعلاوة على ذلك، يمكن للبنوك تنظيم ورش عمل ومؤتمرات لتسهيل التفاعل بين رواد الأعمال في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وصنّاع القرار في الجهات الرقابية وقادة القطاعات الاقتصادية، مما يساعد في تعزيز ريادة الأعمال. ومن خلال تلك الخدمات والمبادرات، يمكن للبنوك تأمين أوضاع مجزية لجميع الأطراف بهدف تطوير البيئة الحاضنة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وخدمتها بما يعود بالمنفعة على الجميع.
البيئة الحاضنة للمشروعات
تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أحد العناصر الحيوية في تنمية الاقتصاد لأي دولة نظراً إلى أنها تعزز الابتكار وريادة الأعمال وخلق فرص عمل على نطاق واسع. وإذ تمر الكويت بمرحلة العبور إلى اقتصاد لا يعتمد على النفط كمصدر وحيد للإيراد، من المنتظر أن يؤدي القطاع الخاص دوراً أساسياً في النمو الاقتصادي في المستقبل وفي خلق فرص العمل. وعلى المستوى العالمي، تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة جزءاً جوهرياً من القطاع الخاص والاقتصاد عموماً، إذ تشكل أكثر من 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي. وفي الكويت، تعتبر مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي أقل، إذ ساهمت بنسبة 12 في المئة عام 2017.ويبدو أن ذلك يعزى إلى الدور المتعاظم للقطاع العام الكويتي في الاقتصاد الذي يعتمد بكثافة على الثروة الهيدروكربونية، وحيث شرعت الكويت في تنفيذ خطة طموحة لتقليل الاعتماد على النفط خلال العقود القليلة المقبلة، فقد دأبت الحكومة على بذل الجهود لبناء اقتصاد لا يعتمد على النفط وحده. إن إثراء ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد، وإيجاد فرص العمل للكوادر البشرية، يمثلان الجانب الأهم من الاستراتيجية.تمويل المشروعات وتحديات البنوك
تظل إمكانية الاستدانة تمثل التحدي الأكبر أمام النمو والتوسع للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وارتفع معدل رفض طلبات قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليصل إلى 70 في المئة في المنطقة، مقابل أقل من 20 في المئة بالنسبة لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وبناء على ذلك، استحدثت الكويت مؤسسة متخصصة لتمويل وترويج وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهي الصندوق الوطني لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة عام 2013، وبرأسمال بلغ ملياري دينار، واعتباراً من 2016 وحتى قرب حلول نهاية 2019، قام الصندوق بتمويل نحو 1035 من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبتكلفة تراكمية بلغت 177 مليون دينار وفقاً للهيئة العامة للصناعة.وكما في 2019 بلغت نسبة القروض المصرفية الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة 4.7 في المئة من إجمالي القروض. وفي 2018 انخفضت حصة القروض الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لتبلغ نسبتها 2.8 في المئة، وقد يعزى الانخفاض المفاجئ إلى قيام بنك الكويت المركزي بخفض أوزان المخاطر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من 100 إلى 75 في المئة.وتتمثل بعض التحديات التي تواجه البنوك فيما يتعلق بخدمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمايلي:1- سقف أسعار الفائدة
يبلغ سقف أسعار الفائدة على القروض قصيرة الأجل "لمدة أقصر من 12 شهراً" 2.5 في المئة فوق سعر الخصم، والقروض طويلة الأجل 4 في المئة فوق سعر الخصم، بالتالي لا ترغب البنوك في منح الائتمان بسعر لا يتناسب مع المخاطر التي قد تتحملها.2- صعوبة تسعير المخاطر للقروض الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة
يدار العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة على أساس "الملكية الفردية" في غياب التقارير المالية التفصيلية المقدمة من المؤسسات الكبرى، كما أن العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد لا تتبع معايير محاسبية مقبولة وهي ليست مصنفةً من وكالات التصنيف الائتماني ولا يوجد لها درجات على المقياس الائتماني، مما يجعل من الصعوبة بمكان قيام البنوك بتسعير المخاطر على وجه الدقة.3- تقصي الأصول المتوفرة كضمانات
يعني نقص الضمانات وعدم كفاية السجلات المالية أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يمكنها الحصول على أدوات التمويل طويل الأجل مثل القروض لأجل، وعليه، تضطر البنوك إلى منح قروض غير مضمونة قصيرة الأجل إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة على أساس مؤقت وبأسعار فائدة أعلى.4- عدم وجود أهداف للنشاط بالإضافة إلى التقييم غير الواقعي من رواد الأعمال
تقوم الأغلبية الساحقة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة بتقديم أهداف وغايات غير واضحة المعالم، وعادةً ما يتصف تقييم رواد الأعمال للنشاط بأنه غير واقعي، بالتالي، فإن حجم الطلب على القروض غالباً ما يصبح كبيراً، مقارنةً برأس المال المطلوب لإدارة النشاط.وهنا، يمكن أن تفسر المشكلات القائمة في البيئة الحاضنة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكويت التحديات المدرجة أعلاه. ووفقاً للبيانات الصادرة من مكتب الإحصاءات المركزية، فإن هناك نسبة كبيرة من أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ربحيتها ذات هامش المنخفض، مثل تجارة الجملة والتجزئة (39 في المئة)، والعقار والضيافة (27 في المئة) والإنشاءات (9.9 في المئة). وفي تلك القطاعات، تتأثر المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالهزات الاقتصادية، مثل حالات الركود.التحديات القائمة والمتفاقمة جراء جائحة كورونا
قامت الحكومة بفرض حالة الإغلاق والحظر، مما أدى إلى إغلاق الكثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لمعظم أيام مارس، وسائر أبريل ومايو في الكويت. وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في الإيرادات للعديد من تلك الجهات وأصبح من الصعب سداد مستحقات أصحاب المصالح، مثل الموظفين والموردين والبنوك. وحاولت الحكومة تخفيف وطأة هذا الأثر من خلال فرض إجراءات وتدابير مثل تعليق عملية تحصيل قروض الصندوق الوطني، وتأجيل اشتراكات التأمينات الاجتماعية والإسراع بالدفعات المستحقة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من الحكومة. كما قام بنك الكويت المركزي بتخفيض أوزان المخاطر لقروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة من 75 في المئة إلى 25 في المئة لتحفيز الاقتراض من جانب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.أهمية دعم البنوك لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة
من شأن تأجيل سداد قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة مساعدتها على المدى القصير، لكنه لن يترك أثراً دائماً، أما المساعدة الأكثر استدامةً فيجب تقديمها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويمكن للبنوك أن تؤدي دوراً في هذا الجانب، إذ يمكنها مساعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بعض من مشكلاتها المتجذرة، التي أدت إلى تباطؤ نموها. فالمشكلات مثل عدم وجود سجلات مالية وإدارة المواهب وغيرها يمكن تخفيفها من خلال تقديم الدعم غير المرتبط بالقروض، مثل الخدمات الاستشارية وخدمات الدعم. كما يمكن للبنوك المساعدة في وضع خطط العمل وزيادة الكفاءة التشغيلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال إعداد مؤشرات الأداء الرئيسية. كذلك، يمكنها تحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال منح الائتمان بشروط ميسرة للمشروعات التي تحقق مؤشرات الأداء الرئيسية. ويمكن للبنوك أيضاً التوعية بالتصنيفات الائتمانية ومساعدتها في استحداث إجراءات تصنيف بواسطة وكالات التصنيف الائتماني، مما قد يؤدي إلى تقليل تكلفة الائتمان. ومن شأن تلك الخدمات الاستشارية تحسين فرص المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق النمو والربحية على المدى الطويل. ويمكن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق أرباحاً مع النمو الحصول على المشورة حول إجراءات الإدراج في البورصات ومزايا ذلك، الأمر الذي يمكن اعتباره حافزاً جيداً على المدى الطويل.كذلك، يمكن للبنوك استخدام القنوات المبتكرة لتمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إذ يمكن تجميع قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة لذات الآجال المختلفة معاً لتنويع مخاطر التخلف عن السداد، وعندئذٍ يمكن بيع الديون إلى المستثمرين. منتجات التمويل الهيكلية من هذا النوع يمكن طرحها بهدف تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكويت.وإلى جانب ذلك، يمكن للبنوك تنظيم المنتديات العامة بالاشتراك مع مالكي المشروعات الصغيرة والمتوسطة لرفع الوعي بحقوق هؤلاء المالكين وإلقاء الضوء على الفرص المتوفرة لهم.ويمكن استخدام المنتديات العامة لتسهيل الحوار بين مالكي المشروعات الصغيرة والمتوسطة والجهات الحكومية وصناع القرار، وصياغة السياسات وفقاً لذلك.كما يمكن للبنوك تعزيز ريادة الأعمال في البلاد من خلال تنظيم المسابقات في الكليات والجامعات، إضافة إلى تمويل الأفكار الفائزة إذا كانت ذات جدوى. ويمكن أيضاً تنظيم أو رعاية المؤتمرات التي تتيح التقاء رواد الأعمال الحاليين والمرتقبين بقادة القطاعات الاقتصادية المختلفة. ومن شأن تلك المبادرات إحداث التغيير، إلى جانب كونها ممارسة جيدة للعلاقات العامة بالنسبة للبنوك.وخلص التقرير إلى أنه من المهم أن تحصل المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الدعم الكافي لتمكينها من المساهمة بقدر أكبر في الاقتصاد وإيجاد فرص العمل. ورغم أن الحكومة دأبت على تقديم الدعم من خلال البرامج مثل الصندوق الوطني، فيمكن للبنوك أيضاً أن تقوم بدور مهم في تطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويمكن للبنوك تقديم المساعدة من خلال عدة طرق بجانب التمويل لتخفيف الأعباء الإدارية والهيكلية التي تعانيها المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وبإمكان البنوك توفير خدمات استشارية والدعم لتحسين كفاءة العمليات، ويمكن كذلك إقامة فعاليات وندوات مع قادة الأعمال لتوفير فرص للظهور والاستفادة من المبادرين.كذلك يمكن للبنوك ابتكار وسائل دين ملائمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. مع الزيادة الملحوظة في شركات التكنولوجيا المالية (فينتك) في المنطقة والممولة من قبل شركات الملكيات الخاصة ورأس المال المخاطر، على البنوك أن تطرح حلولاً مبتكرة وخدمات مميزة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على القروض في مجلس التعاون لا يزال يتسم بالضآلة