الحديث عن الأرض واستخداماتها وملكيتها، كان موضوع بحثي لرسالة الدكتوراه، التي استغرق جمع مادتها البحثية أكثر من 3 سنوات. كانت خلاصتها أنه لا يمكن أن تقوم للتنمية قائمة، مادامت الأرض مقيّدة الاستخدام، ويتم توزيعها حسب مزاج المتنفذ وصاحب القرار، كمكافآت تحت مسميات مختلفة؛ مزارع، وجواخير، وشاليهات، ونحل، وهجن، وصناعية، وحرفية، وغير ذلك من المفردات، تحت إمرة السلطة، بلا رقيب ولا حسيب. كانت الأرض ولا تزال في قلب الاقتصاد السياسي، حتى بمعزل عن التثمين.وما إن ارتفع دخل النفط من 4 ملايين جنيه إسترليني إلى 60 مليوناً في عام 1952، حتى تم التفكير بخطة التنمية، بتكلفة 18 مليون إسترليني، وما تبقى تم توفيره لإنشاء مكتب الاستثمار الكويتي بلندن في 1953.
بدأت المعارك حينها، فكانت معركة إنشاء البنك الوطني بمواجهة بين عبدالله السالم والبريطانيين، الذين كانوا يرفضون السماح لبنك محلي. وكانت هناك معركة أخرى بسبب ترسية مشاريع التنمية بالكامل على خمس شركات بريطانية، ووكلائها المحليين، مما اضطر الشيخ عبدالله السالم إلى إلغاء الترسيات، ودعوة جميع الشركات إلى التقدم وفق قواعد جديدة. أما المعركة التي لم تنته آثارها حتى اليوم، فكانت معركة الملكية والاستملاكات العامة، حيث ترتب على ذلك زيادة مذهلة بالادعاءات بملكية الأراضي. بل إن بعض الادعاءات بالملكية ظلت قائمة حتى حسمها قانون 5/1975، وانتهت بصورة نهائية بقانون 33/ 2000. وربما لو تم اعتماد تلك الادعاءات لكانت 60 إلى 70 في المئة من البلاد مملوكة لأفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.وللحد من تلك الادعاءات، صدر قرار اللجنة التنفيذية العليا سنة 1954 بخط التنظيم العام، أو حد الملكية الخاصة، وعاد الشيخ عبدالله السالم في سنة 1956، ليصدر مرسوماً باعتبار الأراضي الواقعة خارج خط التنظيم "أميرية"، أي أملاك دولة، مما يعني تأميمها. كانت المساحة داخل خط التنظيم المسموح فيها بالملكية الخاصة 3 في المئة فقط، أما خارجها فكانت 97 في المئة. ربما كان ذلك القرار مفيداً في الفترة الأولى لكبح جماح البعض، لكن أن يستمر حتى اليوم فتلك مسألة تحتاج إلى إعادة نظر.أنفق على التثمين خلال 30 سنة من 1952 إلى 1982 ما يزيد على 3 مليارات دينار، أي بواقع 100 مليون سنوياً، هذا مع حساب الروبية وتحويلها. في بداية الستينيات، زارت الكويت بعثتان اقتصاديتان دوليتان لإسداء المشورة، وكانت التوصية بإيقاف سياسة التثمين فوراً، لأثرها الضار والمدمر على الاقتصاد. التقط الفكرة رئيس المجلس البلدي حينذاك، محمد العدساني، فرصد احتياجات الدولة للتثمين بصورة نهائية بتخصيص 200 مليون دينار، والبدء ببناء المشاريع على أملاك الدولة، بدلاً من استملاكها، إلا أنه ما إن تم البدء بالتنفيذ، حتى قامت الحكومة بحلّ المجلس البلدي، والإعلان عن فتح التثمين، واتهام الرجل الإصلاحي محمد العدساني بتطبيق الشيوعية، وتلا ذلك تخصيص مئات الملايين مرات ومرات.أي حديث عن إصلاح البلد لا يتم معه إصلاح واقع الأرض واستخداماتها، ليجعل أملاك الدولة حقاً للدولة، لا لمتنفذين في الحكومة، ليس سوى حديث في الوقت الضائع.
أخر كلام
حكاية الأرض وحتمية الإصلاح
03-02-2021