بعد التحرير، أي قبل ثلاثين سنة، بدأت مرحلة إعادة الإعمار وتأهيل ما يمكن تأهيله من مؤسسات الدولة ومبانيها، ومن أبرزها المدارس وجامعة الكويت، كانت عودة الدراسة بداية حقيقية لعودة الحياة الطبيعية لأن انقطاع التعليم شكل من أشكال الدمار الذي ألحقه الغزو العراقي الغاشم بدولة الكويت.بالنسبة إلي ولكل طلبة دفعتي والدفعات السابقة وفوقهم من قبلوا للدراسة في جامعة الكويت دون أن يلتحقوا بها لم يكن مربكاً إلا في الفترة التي ضاعت من أعمارنا، ولكن بالنسبة إلى طلبة الثانوية كان الأمر مختلفا لأنهم أدخلوا بما سمي حينها مرحلة الدمج التي تم فيها– تسليك– ما يمكن تسليكه من مدة زمنية ومنهج دراسي مخفف من مرحلتين لتعويض الفترة الزمنية الضائعة، وفي الكورس الأول الذي بدأ في الجامعة دخل معنا زملاء مرحلة الدمج ودرسنا معهم وتعرفنا على الكثير منهم، وكان الحديث الدائم معهم عن يومياتهم أيام الثانوية والطريقة التي تلقوا فيها دروسهم خلال فترة زمنية مضغوطة.
ما حدث لاحقاً لبعض هؤلاء الطلبة هو بيت القصيد، في الكورس الثاني اختفى بعضهم، وفي الكورس الصيفي– للأمانة أعطونا كورسين للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ جامعة الكويت– اختفى البقية ولم يتبق ممن تعرفنا عليهم سوى عدد قليل، كان السبب المباشر لهذه الحالة من التسرب يعود إلى أن هؤلاء الطلبة درسوا في ظروف قاهرة غير طبيعية أخذوا فيها القليل من سنتين دراسيتين ثالثة ورابعة ثانوي، فلم يصيبوا من السنتين ما يكفي لمواجهة الدراسة الجامعية التي تكون في الغالب صادمة في السنة الأولى للطلاب الذين اعتادوا من صغرهم على نمط متشابه من أسلوب التعليم، بوجود ناظر ووكيل وطابور وزي موحد وحارس بوابة.وعلى الرغم من أن طلاب الثانوية قبل ثلاثين سنة تلقوا تعليمهم بالطريقة المعتادة، وهي حضور الفصول الدراسية وتلقي العلم من الأستاذ فإنهم واجهوا مصاعب التكيف من المرحلة الجامعية، فما الذي يمكن قوله عن طلاب مرحلة كورونا التي استمرت مدة أطول من الغزو، والدراسة تمت فيها لجميع المراحل عن بعد؟ إنني وغيري نخشى من وقوع كارثة حقيقية من المصير الغامض الذي ينتظر طلاب جميع المراحل الدراسية والفجوات التعليمية التي سيتم اكتشافها بعد فوات الأوان، خصوصاً في ظل حالة التخبط والتردد في حسم الأمور التي حصلت في المرحلة السابقة وما زالت مستمرة حتى الآن.
مقالات
الأغلبية الصامتة: الفجوة
04-02-2021