لم يضيّع وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن الوقت، فبدأ يتواصل مع حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا وأجرى مكالمات هاتفية مع نظيرَيه في الفلبين وتايلند بعد يوم على مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي على قرار تعيينه.قال بلينكن في حديثه مع المسؤولَين الآسيويَين إن الولايات المتحدة ترفض المطالب البحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي إذا كانت تتجاوز ما يسمح به القانون الدولي، وتدعم دول جنوب شرق آسيا "في وجه ضغوط جمهورية الصين الشعبية".
على بعض المستويات، يعكس هذا التواصل المبكر الوجهة الدبلوماسية لإدارة بايدن ويتماشى بكل وضوح مع تعهد بلينكن قبل الانتخابات بأن يشارك بايدن، في حال فوزه بالرئاسة، بمعالجة شؤون "رابطة أمم جنوب شرق آسيا" المحورية، ومن المتوقع أيضاً أن تتخذ إدارة بايدن وجهة أكثر تماسكاً وإنصافاً، حتى أنها قد تحاول على الأرجح أن تقود أهم اجتماعات "رابطة أمم جنوب شرق آسيا"، على عكس ما فعله فريق ترامب سابقاً. على نطاق أوسع، يثبت الالتزام بمعاهدة الدفاع المتبادل استعداد الإدارة الجديدة للحفاظ على عناصر تعتبرها مفيدة أو بناءة في سياسة ترامب بدل رفضها بالكامل، فمن الواضح أن تايلند والفلبين ستكونان على رأس أولويات الإدارة الجديدة لأنهما حليفتا واشنطن في تلك المعاهدة وقد كانت علاقاتهما مع الولايات المتحدة متوترة في السنوات الأخيرة. في ما يخص الفلبين تحديداً، اشتق معظم التوتر من النزعة الشعبوية العنيفة التي استعملها الرئيس رودريغو دوتيرتي لفرض النظام والقانون وازدرائه علاقة بلده مع الولايات المتحدة مقابل تقوية علاقته مع الصين.تبدو المشاكل في العلاقات التايلندية الأميركية أقل حدة ولا تحمل الطابع الشخصي نفسه، لكنها أكثر تعقيداً على بعض المستويات. منذ انتهاء الحرب الباردة، تلاشى مفهوم المصالح والأهداف الموحّدة بين البلدين بعدما كان يرتكز على المقاومة المشتركة للتوسّع الشيوعي من جانب الصين أولاً ثم فيتنام، فعمدت تايلند إلى توثيق روابطها الاقتصادية والسياسية مع بكين، وفي غضون ذلك، واجهت علاقة تايلند والولايات المتحدة اختباراً صعباً بسبب الانتقادات الأميركية للانقلابات العسكرية وحملات القمع التي رافقت أزمتها السياسية الدائمة، بما في ذلك القمع الحكومي المستمر للحركة المنادية بالديمقراطية بقيادة الشباب. لكن تَقِلّ المشاكل التي لم تكن مرتبطة بترامب في هذه التحالفات، فأدى أسلوب ترامب المبني على تحقيق المصالح الشخصية ولا مبالاته شبه التامة بحقوق الإنسان إلى تحسين العلاقات مع بانكوك ومانيلا، لذا من المتوقع أن تواجه إدارة بايدن عدداً من التحديات والاضطرابات التي واجهتها الإدارتان السابقتان.تتعلق إحدى المسائل الشائكة بمدى استعداد الولايات المتحدة للمجازفة بردع التحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي واحتمال أن تؤجج العمليات العسكرية التي تزداد عدائية المخاوف السائدة في المنطقة. ترتبط مسألة أخرى أيضاً بما تنوي الإدارة الأميركية فعله لتحقيق رغبتها في إعادة بناء العلاقات مع شركائها الإقليميين بعد الإعلان عن جعل بنود نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان محور السياسة الخارجية الأميركية مجدداً. في ما يخص تايلند والفلبين تحديداً، اشتقت الاضطرابات الأخيرة، جزئياً على الأقل، من الخطوات غير الديمقراطية التي أقدم عليها قادة البلدَين وعدم تقبّلهم للانتقادات الأميركية التي طاولت تلك التحركات.تَقِلّ المؤشرات على تغيّر وجهة نظر كل بلد حول هذه المسائل، مما يعني أن جزءاً من الشرخ القائم في علاقات واشنطن وحلفائها سيستمر في جنوب شرق آسيا، ويجب ألا يبالغ أحد في قراءة تغريدات المسؤولين، لكن كان بارزاً مثلاً أن يذكر بلينكن في تغريدته المرتبطة بمكالمته مع وزير الخارجية التايلندي "القيم المشتركة" بين البلدين فيما امتنع نظيره دون برامودويناي عن ذكر هذه النقطة.
مقالات
إدارة بايدن تستأنف التواصل مع الحلفاء في جنوب شرق آسيا
04-02-2021