في أعقاب تفجير انتحاري مزدوج نفذه تنظيم «الدولة الإسلامية» في بغداد في 21 يناير والذي أسفر عن مقتل 32 عراقياً وجرح أكثر من مئة آخرين، أجرت الحكومة العراقية تغييرات فورية على قيادة الجيش والشرطة والاستخبارات في البلاد، وعلى دول التحالف في العراق الترحيب بهذه التحسينات بدعم متزايد، الأمر الذي يمنحها المزيد من النفوذ لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».وتعد التغييرات التي أجرتها الحكومة العراقية على قيادة الجيش والشرطة والاستخبارات في البلاد في واحدة من أهم التعديلات العسكرية في التاريخ الحديث، وتبشر التغييرات بتعزيز الأمن في جميع أنحاء البلاد، وإضعاف الأحزاب المرتبطة بالميليشيات، ودفع العراق خطوة أخرى نحو إصلاح قطاع الأمن بشكل أكمل، لا سيما داخل أكبر دائرة حكومية هي وزارة الداخلية. على المجتمع الدولي دعم هذا التقدّم من خلال التشجيع من وراء الكواليس وتقديم مساعدات إضافية معظمها لوزير الداخلية عثمان الغانمي وفريقه القيادي الجديد.
تغييرات رئيسة في القيادة
تشمل تعيينات القيادة الجديدة المناصب التالية:• رئيس الاستخبارات، وزارة الداخلية. إن «وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية»، الذراع الاستخباراتية الرئيسة التابعة للوزارة، هي مؤسسة تضم 9 آلاف عنصر ولها مكاتب في ستة وخمسين قضاءً عراقياً ومعظم نقاط الدخول الجمركية في البلاد. كما تتميز بقدرات كبيرة لمراقبة الإنترنت والمراقبة إلكترونية، وتولى قيادة الوكالة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات اللواء الركن عامر صدام المالكي الذي أُقيل الآن من منصبه واستُبدل باللواء الركن (المتقاعد) أحمد طه هاشم (المعروف أيضاً باسم أبو رغيف) الذي يرأس أيضاً «اللجنة العليا لفتح ملفات الفساد» التي تأسست في 27 أغسطس. وكان أبو رغيف قد شغل سابقاً منصب المحقق في الشؤون الداخلية في الوزارة بين العاميْن 2004 و2005، عندما كان المسؤولون يحاولون في البداية وقف موجة الاختراق من قبل الميليشيات.• مدير عام الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، وزارة الداخلية؛ رئيس خلية «الصقور». تم عزل المسؤول المتمرّس عبدالكريم عبد فاضل حسين الجباري (المعروف أيضاً باسم أبو علي البصري) من قيادة «الصقور»، وهي مجموعة للعمل المباشر وجمع المعلومات الاستخباراتية التي حققت شهرة وطنية في العراق، وخلافاً للتقارير الإعلامية، فقد تمّ استبداله اعتباراً من 26 يناير بحميد الشطري، الذي سيبقى يشغل منصب نائب قائد «جهاز الأمن الوطني»، وهو جهاز استخبارات آخر. وكان الشطري قد ترأس سابقاً مكتب القوات القبلية العربية السنّية الذي شكله التحالف ضمن «هيئة الحشد الشعبي». وستكون مهمته الأولى في منصبه الجديد هي إعادة دمج خلية «الصقور» المستقلة للغاية في جهود التنسيق الأوسع نطاقاً لمكافحة الإرهاب. • قائد الشرطة الاتحادية، وزارة الداخلية. تضمّ الشرطة الاتحادية نحو 40 ألف جندي مقاتل بالإضافة إلى خدمات الدعم، وهذه الشرطة هي جهاز عسكري مواز يتولى عمليات مكافحة التمرّد إلى جانب الجيش العراقي و»جهاز مكافحة الإرهاب»، بالإضافة إلى جهود الأمن في المناطق الحضرية في بغداد ومدن أخرى. يجب أن يتم صقل هذه المؤسسة بفضل عملية إعادة التنظيم التنازلية التي جرت هذا الأسبوع، بدءاً بإقالة الفريق جعفر البطاط من منصب القائد العام، وحل محله اللواء صالح ناصر العامري الذي كان يرأس «الفرقة الثالثة بالشرطة الاتحادية» خلال معركة الموصل عام 2017 وقاد لاحقاً الفرقة الثانية أيضاً.• رئاسة «قيادة عمليات بغداد». إن هذه القيادة هي مقر التنسيق الأمني الشامل داخل بغداد وضواحيها الريفية، وقد تمّ الاستبدال بالفريق الركن قيس المحمداوي من رئاسة هذه القيادة اللواء الركن أحمد سليم بهجت العتبي، نجم صاعد في الجيل الجديد من ضباط ما بعد 2003 والأصغر سناً للتأهل إلى رتبة ضابط بنجمتين (كان يبلغ من العمر اثنين وأربعين عاماً عند ترقيته في عام 2014). ويبدو أن مديرية المخابرات في «قيادة عمليات بغداد» هي أيضاً تحت قيادة جديدة الآن بعد إقالة اللواء باسم مجيد.السياسة الكامنة وراء التعديل الوزاري
في معظم البلدان، من المألوف أن تتم إعادة توزيع المناصب بين رؤساء الجيش والشرطة والاستخبارات بعد وقوع خروقات أمنية، حتى لو لم يكونوا مسؤولين بشكل مباشر عن الأخطاء موضع الانتقاد، وفي حالة العراق، هناك العديد من الأسباب لإجراء التغييرات الحالية، ولماذا يجب على المجتمع الدولي دعمها:• تعزيز التنسيق. ستُسهّل التغييرات الأخيرة تنسيق العديد من الوظائف الاستخباراتية الحيوية لعمليات مكافحة الإرهاب، ومن خلال تشكيل فريق مختار بعناية من كبار الضباط، ستكون الحكومة قادرة على جلب العناصر الرئيسة لوزارة الداخلية (وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، وخلية الصقور، والشرطة الاتحادية) ولـ»قيادة عمليات بغداد» نحو تحقيق اتساق أكبر بكثير مع هيكل القيادة والتحكم الوطنيَيْن وأنظمة تبادل المعلومات الاستخبارية، وسيؤدي ذلك إلى تحسين الجوانب العملية للهيئات المهمة مثل «لجنة تنسيق الاستخبارات الوطنية» و»خلية المخابرات الوطنية» و»مركز تحليل الاستخبارات الوطنية»، التي تم تشكيلها خصيصاً رداً على التفجيرات السابقة للهيئات الحكومية في بغداد ويمكن أن يساعد في منع الهجمات الإرهابية في المستقبل.• الحفاظ على استقرار بغداد. مع اقتراب موعد الانتخابات في العاشر من أكتوبر، ومع هجمات الميليشيات على الحكومة والشركاء الأمنيين الدوليين، يشكل الحفاظ على الاستقرار في العاصمة أمراً بالغ الأهمية، ويُعتبر التنسيق الاستخباري الأكبر أمراً لا غنى عنه لهذا الجهد، كما أنّ الحد من تأثير الميليشيات في الأجهزة الأمنية أمر مهم أيضاً، وتم توجيه القادة الجدد للاستخبارات والأمن في المناطق الحضرية الذين تم اختيارهم بعناية بالتشديد على الأمن في المركز الحكومي، بما في ذلك من خلال منحة أميركية جديدة بقيمة 20 مليون دولار لتحديث المحيط الأمني، كما طُلب منهم التنسيق بشكل أوثق مع هيئات الحماية القائمة من قبل في بغداد مثل «مركز استخبارات الإشارات» و«لجنة المراقبة» المشتركة بين الوكالات. وستعمل هذه الخطوات على تحسين الاستقرار في مواجهة الأعمال العدائية المحتملة من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، والميليشيات الإرهابية، والمجرمين، أو العصابات العنيفة.• الحفاظ على الوصول إلى الدعم الدولي. يجب أن تساعد التغييرات في القيادة في الحفاظ على وصول العراق إلى أنظمة الدعم وجمع المعلومات الاستخبارية الغربية، لأن الضباط الجدد يستوفون المعايير لمثل هذه المشاركة وليس لديهم علامات سوداء على سجلاتهم فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، أو الفساد، أو العلاقات الوثيقة مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية المعادية، وسيضمن ذلك توفير المساعدة الفنية الحيوية على المدى الطويل في الحملة المستمرة لهزيمة تمرد تنظيم «الدولة الإسلامية».التداعيات على السياسة الأميركية
في الماضي، غالباً ما أعاقت الميول السياسية وسلوك بعض كبار المسؤولين في وزارة الداخلية العراقية المساعدة الأمنية الدولية. ويختلف الوضع على نحو كبير في أعقاب التعديلات التي أُجريت الأسبوع الفائت والإصلاحات السابقة، فالغانمي، الذي شغل منصب وزير الداخلية لمدة تقل عن عام، هو رئيس أركان جيش متقاعد وموظف حكومي يرتدي الزي العسكري منذ فترة طويلة. كما أن رئيس الاستخبارات الجديد في الوزارة هو الانضباطي الصارم (أبو رغيف) نفسه الذي قامت لجنته بأول اعتقالات كبيرة وذات مصداقية لمكافحة الفساد في العراق منذ عام 2003، وتابعتها بأحكام بالسجن على اثنين من الجناة وبقضايا قيد النظر لسبعة عشر آخرين. أما خلية «الصقور» القيّمة إلى حدّ كبير، فلم تعد الإقطاعية التابعة لرئيس تجسس واحد مرتبط بميليشيا (أبو علي)، بل تخضع الآن لإمرة القيادة والتحكم الوطنيَيْن.على الولايات المتحدة وشركاء التحالف الآخرين الترحيب بهذه التحسينات بتشجيع كبير ودعم متزايد، كما عليهم ترتيب اجتماعات فورية مع القادة الجدد والمضي بسرعة نحو وضع خطط وبرامج جديدة ترمي إلى دعم وزارة الداخلية التي غالباً ما يتم تجاهلها على الرغم من مكانتها كأكبر جهاز أمني في العراق. ربما يكون الأمر الأكثر إلحاحاً هو أن «المجموعة الاستشارية العسكرية» المكوّنة من ثلاث عشرة دولة يجب أن تستطلع بصورة غير علنية هيئات مثل «قيادة عمليات بغداد»، و«مركز تحليل الاستخبارات الوطنية»، و«لجنة المراقبة الأمنية في بغداد»، و«مركز استخبارات الإشارات» للتأكد من المتطلبات لدعم الجهود المكثفة لمنع التفجيرات في بغداد على المدى القريب. وفي الوقت الذي وصل فيه تمرد تنظيم «الدولة الإسلامية» في المناطق الريفية إلى أدنى مستوياته التاريخية، فلدى الحركة الإرهابية حوافز قوية للقيام بضرباته في العاصمة، حيث حتى للتفجيرات الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير دولي، ومن جانبها، قد تستغل الميليشيات المدعومة من إيران تلك الهجمات التي تُسفر عن إصابات جماعية في بغداد لتبرير وجودها المسلح في المناطق الحضرية، وتقويض الثقة في الحكومة، ونشر معلومات مضللة حول تورط دول الخليج أو دول غربية في مثل هذه الحوادث. على سبيل المثال، سرعان ما ألقت شبكاتها باللوم في التفجيرات التي وقعت في 21 يناير على السعودية، وبعد ذلك بيومين وكرد انتقامي ادّعت إطلاقها طائرات بدون طيار باتجاه المملكة.إن أفضل طريقة لإدارة بايدن لإبقاء العراق بعيداً عن العناوين الرئيسة هو تعزيز دفاعات بغداد، ولحسن الحظ، يمكن أن تقوم واشنطن وشركاؤها بالكثير في هذا الخصوص وباستثمار قليل جداً من المال وعدم تعريض جنودها لأي مخاطر أمنية إضافية.