نصل اليوم إلى نهاية استعراضنا للتقرير البريطاني الصادر عام 1939، والذي أطلق عليه اسم "الكتاب الأبيض"، والذي حددت فيه بريطانيا سياستها تجاه مستقبل فلسطين، استناداً إلى التفويض الممنوح لها من عصبة الأمم فيما يسمى بالانتداب البريطاني.

تحدثنا في المقال السابق عن موضوع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقلنا إن بريطانيا أكدت أنها ضد الهجرة المفتوحة، وأن ذلك يتعارض مع ما ورد في مواد صك الانتداب، وأشرنا إلى أن عدد اليهود آنذاك كان 80 ألفاً حسبما ذكره التقرير. وقد استطرد التقرير البريطاني حول موضوع الهجرة وأكد أن بريطانيا ترى أن استمرار الهجرة بشكلها السابق يشكل خطورة كبيرة على مستقبل فلسطين.

Ad

ويقول التقرير "ولو استمرت الهجرة في هذه الظروف إلى الحد الأعلى الذي تسمح به قدرة البلاد الاقتصادية على الاستيعاب، بقطع النظر عن سائر الاعتبارات الأخرى، لأدى ذلك إلى تخليد عداوة قاتلة بين الشعبين، ولأمكن أن تصبح الحالة في فلسطين عندئذ مصدرا دائما للاحتكاك بين جميع شعوب الشرق الادنى والاوسط".

وعلى هذا الأساس، أعلنت الحكومة البريطانية موقفها تجاه ذلك قائلة إنها ترى أن تكون الهجرة خلال السنوات الخمس القادمة بعدد إجمالي لا يزيد على 75 ألف مهاجر، ليصل عدد اليهود إلى حوالي ثلث عدد إجمالي سكان فلسطين، وبحيث يتم تسهيل هجرة 10 آلاف يهودي كل عام، إضافة إلى هجرة 25 ألفاً حسب الظروف الاقتصادية وبالتوافق مع مواد صك الانتداب. يقول التقرير: "تكون الهجرة اليهودية خلال السنوات الخمس التالية بمقدار من شأنه أن يزيد عدد السكان اليهود في فلسطين إلى ما يقرب من ثلث مجموع سكان البلاد، بشرط أن تسمح قدرة الاستيعاب الاقتصادية بذلك".

وفي موضع آخر من التقرير يقول "وحسب حساب عدد المهاجرين اليهود غير الشرعيين الموجودين الآن في البلاد فإن ذلك يسمح بإدخال نحو 75000 مهاجر يهودي خلال السنوات الخمس التالية...". وأكد التقرير أنه بعد انقضاء السنوات الخمس المشار إليها لن تسمح بمزيد من الهجرات إلا بموافقة عربية، وأنها مصممة على "قمع الهجرة غير المشروعة وتتخذ الآن إجراءات أخرى للحيلولة دونها".

هذا كان موقف بريطانيا الصريح والمعلن من هجرة اليهود إلى فلسطين عام 1939، بل إنها قالت أكثر من ذلك حينما أكدت أنه متى ما تمت الهجرة حسب خطتها خلال السنوات الخمس، فإنه "لن يكون لها مبرر، كما أنها (أي بريطانيا) لن تكون تحت طائلة أي التزام لتسهيل إنشاء الوطن القومي اليهودي عن طريق السماح بهجرة أخرى بقطع النظر عن رغبات السكان العرب". أترك القارئ الكريم لأن يتفكر ويقارن بين ما ورد في تقرير "الكتاب الأبيض" البريطاني عام 1939 وبين واقع فلسطين الحالي الكئيب والحزين، وإن شاء الله ننتقل إلى مواضيع أخرى توثيقية وممتعة في الأسابيع المقبلة.

باسم اللوغاني