قرأنا أو سمعنا عن الكثير من قصص النجاح التي حققها بعض الأفراد في فترات الحروب وظروف الأزمات، وقد تبدأ هذه القصص بفكرة تهدف الى مساعدة الضحايا بالمجان ثم تتحول إلى استثمار ناجح يبقى ما دامت هذه المآسي باقية وما دامت تخلّف الضحايا تلو الضحايا، وما دام الضحايا قادرين على دفع المال كيفما كان للخروج من دائرة المأساة.وقد قرأت قبل سنوات عن بعض اللاجئين السوريين في تركيا الذين عاشوا في فقر شديد أيام السلام الذي سبق الحرب، ثم أصبحوا يديرون شبكات لتهريب اللاجئين إلى دول أوروبا تدر عليهم أموالاً طائلة، وربما لا يرغب هؤلاء اللاجئون والعاملون لديهم في نهاية للحرب وعودة للحياة الطبيعية لأن تجارتهم التي قامت على مصائب الناس ستتوقف وربما عادوا إلى سابق فقرهم.
وقد شاهدت (فيديو) قبل سنوات لعراقي يعمل حفاراً للقبور (يسب أميركا) التي جلبت الديمقراطية للعراق فتراجع معها أعداد الموتى، حيث بدأ يتذكر أيام (الرخاء) والحسرة تعلو محياه، ففي يومي الأحد والاثنين يتم إحضار قتلى الجيش من الجبهات حيث لم تتوقف حروب العراق في تلك الفترة، والثلاثاء جثث الإعدامات للرجال، والأربعاء جثث إعدامات النساء، عدا جثث الوفيات الطبيعية أو الناتجة عن الأمراض والحصار الدولي الطويل التي تتوافد الى المقابر طوال أيام الأسبوع، وبسبب تغيير نظام الحكم لم يتبق من هذا (الرزق) سوى بعض قتلى التفجيرات والعصابات والموت الطبيعي وبقية الميتات التي ربما ليست بالعدد الكافي لصناعة الثروة والاستثمار في حفر القبور.ولعل الاستثمار في كل قضية كبيرة يطول أمدها من الأمور التي تتكرر دائماً، حيث يبقى صيادو الفرص جاهزين ومتربصين، ولذا فإن بعض هؤلاء المستثمرين لا يفرحون بانتهاء المصائب فإما يدفعون باتجاه استمرارها أو يبحثون عن تفريعات استثمارية لأعراض المأساة الجانبية بعد انتهائها لأن أرزاقهم أولى من نهاية مصائب الناس.وأذكر أني قلت ممازحاً أحد الإخوة الذين نشطوا في قضية الأسرى والمفقودين في فترة وصول رفات الشهداء من العراق قبل سنوات، "الآن لن تجد عملاً بعد عودة رفات الشهداء وإغلاق ملف الأسرى والمرتهنين"، فما كان منه إلا أن قال بإصرار "لن أتوقف حتى الكشف عن مصير آخر مفقود".ولو طال أمد قضية العفو الحالية (مثلاً) فستقوم عليها الكثير من المصالح الشخصية التي سيحاول أصحابها منع صدور العفو أو تأخيره، ولو دققنا في تصاعد الأصوات المطالبة بالعفو ثم تراجعها وربط ذلك بتوقيت التصاعد والتراجع لاكتشفنا الصادق في مطلبه من (المستثمر) في القضية.وأما في قضية البدون (طويلة العمر) فلا داعي الحديث عن (بياعي) الجوازات المزورة، حيث أصبح ضحاياها أشبه بالكائنات الفضائية التي لا يمكن التعامل معها، فلا هم بدون ولا هم مقيمون مخالفون لقانون الإقامة، ولا داعي للحديث أيضاً عن الموظفين (كباراً وصغاراً) من العاملين عليها والذين لو تم حل القضية فلن يجدوا ما يعملون عليه، ولا داعي للحديث كذلك عن المستثمرين في الأعمال الجانبية الذين تكسّبوا من قضية البدون تجارياً أو إعلامياً أو اجتماعياً حتى صاروا اسماً بعد رسم وذكراً بعد ذكرى، بل لعل بعض حملة رايات الدفاع عن البدون من غير البدون ومن بعض البدون أيضاً سيكونون من الخاسرين مع أي حل حقيقي وجذري لأنهم سيكونون عاطلين عن العمل وعن (الكشخة) أيضاً.
مقالات - اضافات
وجهة نظر: قضية البدون... والمستثمرون في المصائب
05-02-2021