مع استمرار تراجع الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية في خضم إجراءات التيسير الكمي التي اتخذها «الفدرالي الأميركي» لمواجهة تبعات جائحة كورونا، أعلنت مجموعة من البنوك المركزية حول العالم تدخلها في السوق من خلال بيع عملتها المحلية، في خطوة حساسة لمحاولة تفادي تراجع الدولار وغضب وزارة الخزانة الأميركية من التدخل في سوق العملة.

ولطالما أعلنت الولايات المتحدة صراحة حزمها في ملف التلاعب بأسعار العملة، إذ تضع وزارة الخزانة الأميركية قائمة طويلة لعدد من الدول التي تتلاعب في أسعار عملاتها أمام الدولار الأميركي عملة الاحتياطي العالمي.

Ad

وتلجأ البنوك المركزية لخفض قيمة عملتها لإعطاء ميزة تنافسية لعملتها وصادراتها في الأسواق العالمية.

وأعلنت البنوك المركزية في دول على غرار شيلي والسويد خططاً لبيع عملتها في السوق المفتوحة، في خطوة تهدف بالأساس إلى حماية أصولها المقومة بالعملة المحلية والتي يقوض انخفاض الدولار جاذبيتها.

في المقابل، أصدر بنك بولندا المركزي تحذيرا شفهيا بإمكانية التدخل في سوق الصرف لحماية العملة المحلية، حسبما ذكرته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.

خيارات محدودة

وتؤكد الخطوات التي اتخذتها البنوك المركزية في عديد الأسواق حول العالم الضغوط الشديدة التي تتعرض لها عملات تلك البلدان، في خضم استمرار موجة هبوط الدولار أمام سلة العملات الرئيسية، مما يمثل أيضا خطرا داهما على معدلات التضخم في تلك البلدان ويقوض جاذبية صادراتها في الأسواق العالمية في وقت تعاني التجارة الدولية هشاشة واضحة بفعل تبعات الجائحة.

لكن التحذيرات التي تطلقها البنوك المركزية بشأن إمكانية التدخل في السوق تعبر أيضا عن مخاوف تلك البنوك من تصنيفها كمتلاعبين في العملة كما جرى مع فيتنام وسويسرا العام الماضي، إذ اتهمت الولايات المتحدة البنوك المركزية في تلك البلدان بالتدخل في أسعار الصرف.

وقال مصرف دويتشه بنك الألماني في مذكرة إلى العملاء الأسبوع الماضي: «نحن في لحظات مثيرة حينما يتعلق الأمر بالخيط الرفيع الذي تحاول البنوك المركزية السير عليه ما بين التدخل في سوق الصرف وما بين التلاعب في أسعار الصرف». وتابعت المذكرة: «في الوقت الذي توجه فيه دوافع مختلفة لدى البنوك المركزية، يبدو أنهم يتعاملون ببراعة لتفادي تصنيفهم كمتلاعبين في أسواق الصرف من قبل الولايات المتحدة. تلك خطوة خطيرة».

دولار ضعيف فترة طويلة

وفي وقت تعهد الفدرالي الأميركي بالحفاظ على معدلات الفائدة عند مستويات متدنية مدة طويلة، لا يلوح في الأفق إمكانية تعافي الدولار أمام سلة العملات الرئيسية على المدى القريب.

وخلال العام الماضي، تراجع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الخضراء أمام سلة من العملات بنحو 7 في المئة مما تسبب في موجة صعود لعملات الأسواق الناشئة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تراجعت العملة الخضراء أمام الكرونة السويدية العام الماضي بنحو 20 في المئة ما حدا بالبنك المركزي السويدي بالإعلان صراحة عن نيته لبيع نحو 60 مليار كرونة في سوق الصرف حتى ديسمبر من العام بعد المقبل 2023.

طبول الحرب

وفي مذكرة بحثية اطلعت عليها «العربية. نت»، وتحت عنوان «أصداء حرب عملات»، قالت الشركة البحثية التي تتخذ من لندن مقرا لها، إن الخطوات التي اتخذتها البنوك المركزية في عديد الأسواق الناشئة بالتدخل في سوق الصرف تؤشر إلى إمكانية اندلاع حرب عملات جديدة على غرار ما حدث بعد الأزمة المالية العالمية.

وتابعت المذكرة: «درس واحد من الممكن أن نتعلمه من تلك الفترة وهو أن التدخل في سوق الصرف لن يؤدي بالضرورة إلى وقف الاتجاه الصعودي لعملات الأسواق الناشئة أمام الدولار. الضغوط المتصاعدة على عملات الأسواق الناشئة تعزز من وجهة نظرنا التشاؤمية حيال مستقبل السياسات النقدية في الأسواق الناشئة».