في صباح يوم الاثنين، أطلق جيش ميانمار انقلاباً شاملاً، وهو الأول منذ عام 1988، لكنه ليس حدثاً استثنائياً في تاريخ البلد الحديث. حمل هذا الانقلاب جميع معالم الانقلابات العسكرية السابقة رغم تغيّر تكنولوجيا الاتصالات بطريقة جذرية اليوم مقارنةً بما كانت عليه في عام 1988، إذ لم يعد ممكناً إخفاء المعلومات المتعلقة بميانمار عن العالم، فاعتقلت القوات المسلحة معظم السياسيين المدنيين البارزين لكنها لم تكتفِ باحتجاز الشخصيات السياسية بل ذهبت إلى حد اعتقال مجموعة واسعة من منتقديها. كذلك، عمد الجيش إلى إنشاء حواجز على الطرقات وقطع الإنترنت والخطوط الهاتفية وأنواع أخرى من الاتصالات، وأغلق البنوك وسيطر على الحكومات الإقليمية والحكومة المركزية، وباتت السلطة اليوم بيد القائد الأعلى للجيش مين أونغ هلاينغ.لم تحاول زعيمة ميانمار المدنية، أونغ سان سو كي، تهميش الجيش أو تنفيذ إصلاح ديمقراطي حقيقي، بل إنها أنشأت حزباً ومنحته صلاحيات هائلة، واستخفت بمؤسسات مهمة مثل وسائل الإعلام الحرة، وكانت تدافع دوماً عن تحركات الجيش الوحشية في معظمها. مع ذلك، فاز حزبها في الانتخابات الوطنية في السنة الماضية، لكن قد يترافق الانقلاب اليوم مع تداعيات خطيرة.
أولاً، سيؤدي هذا التغيير في الحُكم إلى تدهور طريقة التحكم بأزمة كورونا لأن الناس قد يحاولون الهرب من البلد أو الهجرة إلى مناطق أخرى منه، كما فعلوا غداة الانقلابات السابقة، ما قد يؤدي إلى توسيع نطاق انتشار الفيروس، كذلك، قد تزيد الأضرار المترتبة على الاقتصاد الهش أصلاً في ظل استفحال الوباء نتيجة قرار الجيش بإغلاق البنوك واضطراب الوضع عموماً.ثانياً، قد يؤدي الانقلاب إلى انهيار الاتفاقيات القائمة مع حركات التمرد المنتمية إلى الأقليات العرقية، مما يعني احتمال عودتها إلى الحرب والإمعان في تفكيك ميانمار وتأجيج أعمال العنف في بلدٍ تشوبه الصراعات أصلاً، حتى أن حركات التمرد قد تتشجع الآن على تكثيف معاركها وإنهاء اتفاقيات وقف إطلاق النار ومحاولة تحقيق مكاسب إضافية ميدانياً. على صعيد آخر، قد يحاول حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" وحلفاؤه تحريض المواطنين في ميانمار بعدما تمتعوا بدرجة من الحرية على مر عقد كامل (أصدرت زعيمة الحزب، أونغ سان سو كي، بياناً تدعو فيه شعب ميانمار إلى معارضة الانقلاب). أمام هذه التطورات، قد يقرر الجيش إطلاق حملة قمع أكثر وحشية إذا حاولت "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" أو أي جماعات أخرى من المواطنين تنظيم احتجاجات أو مسيرات. في الماضي، كان الجيش يستعمل القوة دوماً ضد المحتجين السلميين خلال فترات الحكم العسكري المطلق الذي ترسّخ الآن مجدداً في ميانمار. أصدر عدد من الدول الديمقراطية البارزة بيانات قوية اللهجة رداً على الانقلاب في ميانمار. أدانت أستراليا وكندا ودول أوروبية والولايات المتحدة ذلك الانقلاب، وبدأت تفكر الآن باتخاذ تحركات إضافية رغم تدهور الصورة الأميركية في مسائل الديمقراطية عالمياً غداة الانتخابات الرئاسية في عام 2020، ووفق مصادر قناة "إن بي سي نيوز"، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الاثنين أن تحركات الجيش في ميانمار تشكّل "اعتداءً مباشراً" على العملية الانتقالية التي يخوضها البلد نحو الديمقراطية وحُكم القانون، وأكد على تعاون الولايات المتحدة مع شركائها لمحاسبة المسؤولين عن كبح العملية الانتقالية الديمقراطية في ميانمار.استعمل بايدن في تصريحه اسم البلد السابق قبل أن يُغيّره المجلس العسكري الحاكم في عام 1989، فقال: "طوال عشر سنوات تقريباً، كان شعب بورما يحاول تنظيم انتخابات وإرساء حُكم مدني ونقل السلطة بطريقة سلمية، يجب أن نحترم ذلك التقدم".قد لا تكون المبادرات السياسية من جانب بايدن غائبة لكنها تبقى محدودة نسبياً، نظراً إلى ضعف النفوذ الأميركي في ميانمار واستعداد الدول المجاورة لها لتقبّل الانقلاب على ما يبدو، ومع ذلك تستطيع واشنطن وشركاؤها استكشاف خيارات أخرى للتعامل مع هذا الملف.
مقالات
ما بعد انقلاب ميانمار
07-02-2021