أعاد الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل سريع وغير مباشر موازنة أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، متراجعاً عن نهج سلفه الداعم بشكل كامل لإسرائيل والتخلي عن سياسة الضغط القوي على إيران والتمسك بتراجع تركيا عن صفقة الصواريخ الروسية، مع الإبقاء على دعم السعودية الكامل، لكن من دون المشاركة في الحملة العسكرية على المتمردين الحوثيين في اليمن. وفي أول خطاب رئيسي تطرّق إلى سياسته الخارجية، كان لافتاً أن بايدن لم يأت على ذكر إسرائيل عندما قال إنه سيعيد إحياء تحالفات مع زعماء آخرين، في موقف عكسه عدم اتصاله بعد برئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
وبينما تعهّد بتبني نهج متشدد حيال روسيا وتحدّث عن تحديات تمثّلها الصين، اكتفى بالمرور سريعاً على إيران، في تناقض صارخ عما كان الحال عليه في عهد سلفه ترامب، الذي لطالما اعتبرها تشكّل تهديداً عالمياً وأطلق حملة "ضغوط قصوى" عليها شملت الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 خلال توليه منصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما.وقال المستشار المخضرم في شؤون الشرق الأوسط لدى وزراء الخارجية من الحزبين آرون ديفيد ميلر: "في حالتي إسرائيل والسعودية، وهي علاقات قرر ترامب إعادة تأهيلها بعد أوباما، فإن إدارة بايدن مستعدة لترك المزيد من المسافة، وإن لم يكن بنسبة متناظرة".
انتخابات عبرية
وفي حين حقق ترامب رغبة دبلوماسية لنتنياهو تمثّلت بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ورفع منسوب الضغط على الفلسطينيين، أشار ميلر إلى أن إدارة بايدن تتروى قبل إجراء رابع انتخابات تشهدها الدولة العبرية في غضون عامين في مارس، نظراً لاحتمال هزيمة نتنياهو، الذي حشد تأييد المحافظين في الولايات المتحدة ضد سياسة أوباما حيال إيران.وقال ميلر، الباحث حالياً لدى "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي": "هذه إشارة إلى أن الأمور ليست كالمعتاد بالنسبة للطريقة التي تعامل ترامب من خلالها مع الإسرائيليين".أما بالنسبة لإيران، نوّه ميلر إلى أن بايدن يرسل إشارة على ما يبدو مفادها "لا نلاحق طهران". وحذّر وزير خارجيته أنتوني بلينكن مرارا من العملية الطويلة لإعادة إحياء الاتفاق النووي، على الرغم من أنه عيّن مبعوثاً لإطلاق الحراك الدبلوماسي في هذا الاتجاه.وتعهّد بايدن بالتركيز على القيم الديمقراطية، بينما تعاملت إدارته ببرود مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، صديق ترامب الذي يشن حملة أمنية على حراك طلابي.ومن خلال وضعه حداً لحرب اليمن، التي دعمتها إدارة أوباما ضد الحوثيين المرتبطين بإيران وعززتها إدارة ترامب، نفّذ بايدن إحدى وعود حملته الانتخابية، لكنه أوضح أن الولايات المتحدة لا تزال تدعم السعودية.ووصف برايان كاتوليس من "مركز التقدّم" المقرّب من اليسار، موقف بايدن بأنه "أقرب إلى إعادة تكيّف باتّجاه الوضع الطبيعي"، في وقت تحاول الولايات المتحدة الترفّع عن الانقسامات.وقال كاتوليس إن "ترامب وضع أميركا بدرجة كبيرة في جهة واحدة من الميزان، في إطار النزاعات بين السعودية وإيران وإسرائيل وفلسطين، لكنها لم تنجح في خفض منسوب التوتر الإقليمي، بل صعّدته وكادت تُدخل أميركا من غير قصد في حرب أخرى في الشرق الأوسط من خلال المناوشات مع إيران".بلينكن وفرحان
وبعد ساعات على تعهد بايدن بمساعدة المملكة في الدفاع عن أراضيها، والتصدي لأي هجوم يستهدفها، أجرى بلينكن ليل الجمعة - السبت أول اتصال مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، استعرضا فيها "العلاقات التاريخية الاستراتيجية"، بالإضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك".بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن بن فرحان "هنأ بلينكن بمناسبة توليه المنصب الجديد، وعبر عن تطلع المملكة للعمل مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات المشتركة وصون الأمن والاستقرار في المنطقة".وبعد خطاب بايدن، رحبت الرياض بتعهده بمواصلة دعم جهودها في الدفاع عن سيادتها وأراضيها والتزامه بالتعاون والتصدي لأي تهديد لها، مجددة التأكيد على "موقفها الثابت في دعم التوصّل لحلّ سياسي شامل للأزمة اليمنية".ووصف وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير خطاب بايدن بأنه "تاريخي"، لافتاً إلى التطلع إلى العمل مع إدارته لإنهاء النزاعات ومواجهة التحديات، "كما فعلنا منذ أكثر من 7 عقود".واعتبرت صحيفة "الرياض"، أمس، أن خطاب بايدن يبرهن على ما يجري تأكيده دائماً أن علاقات الرياض وواشنطن استراتيجية قائمة على أسس متينة، ولا يمكن أن تتغير خطوطها الرئيسية أياً ما كان الحزب المنتصر".وقد يكون صحيحا أن واشنطن أوقفت الدعم العسكري في حرب اليمن، إلا أنها قد لا تفكر بسحب قواتها من السعودية، إنما قد ترفع من أعدادهم خلال الفترة المقبلة، فقد ذكرت "أسوشييتد برس"، الشهر الماضي، نية الجيش الأميركي استخدام ميناء ينبع وقاعدة عسكرية في تبوك والطائف على طول البحر الأحمر، ونفذ العديد من المناورات المشتركة بعد تسلم بايدن السلطة.لائحة الإرهاب
وغداة إعلان بايدن إنهاء الدعم للعمليات الهجومية في اليمن وتشديده على ضرورة إنهاء الحرب، بدأ بلينكن إجراءات شطب المتمردين الحوثيين من لائحة الإرهاب، التي أدرجهم عليها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، قبل أيام من مغادرته منصبه، لصلتهم بإيران، وكذلك بمجزرة مطار عدن في 30 ديسمبر.وأبلغت وزارة الخارجية، أمس الأول، "الكونغرس رسميا" بتحرك بلينكن، مؤكدة أن "هذا القرار لا علاقة له بنظرتنا للحوثيّين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيّين وخطف مواطنين أميركيّين".وقالت الخارجية الأميركية: "أكدنا التزامنا مساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد هجمات جديدة"، مضيفة: "تحرّكنا هذا ناجم فقط عن العواقب الإنسانيّة لهذا التصنيف، الذي قامت به الإدارة السابقة في الدقائق الأخيرة".وأشارت إلى أن "الأمم المتحدة والمنظّمات الإنسانيّة أوضحت منذ ذلك الحين أنّه (إدراج الحوثيين على لائحة المنظمات الإرهابية) سيؤدي إلى تسريع أسوأ أزمة إنسانية في العالم".وفي رد جوابي على خطاب بايدن، أكدت السعودية أنها قامت في هذا الإطار "بعدد من الخطوات المهمة لتعزيز فرص التقدم في المسار السياسي"، مشيرة إلى أنها تتطلع إلى "العمل مع إدارته ومع مبعوثه لليمن تيم ليندركنغ وكافة الأطراف للتوصل إلى حل شامل.ورحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتشديد بايدن، على أن "حرب اليمن يجب أن تنتهي"، مؤكدة "أهمية دعم الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة".كما رحب الحوثيون بقرار إدارة بايدن. وقال القيادي في صفوف المتمردين حميد عاصم: "نتفاءل بما تم الإعلان عنه، ولكن نتفاءل بحذر".لا تقارير استخبارية لترامب
على عكس التقاليد المتبعة عادة، رفض الرئيس جو بايدن منح سلفه دونالد ترامب إمكانية الوصول المستمر إلى الإحاطات الاستخباراتية، مؤكداً أنه أظهر "سلوكاً خاطئاً"، ويمكن أن يسرب معلومات سرية.وقال الرئيس الديمقراطي، شبكة "سي بي إس"، "أعتقد أنّه لا يحتاج إلى تلقّي إحاطات الاستخبارات. ما الفائدة من تقديمها له؟ وما تأثير ذلك على الأمور، غير أنّه قد يقوم بالإفصاح عن شيء ما؟".ولتبرير موقفه هذا، تحدّث بايدن عن "السلوك غير المتوقّع" لترامب، مشيراً إلى "التمرّد" الذي حصل في 6 يناير عندما اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول، بعدما تابعوا أحد خطاباته التي طعن خلالها بهزيمته في انتخابات 3 نوفمبر.ويحصل الرؤساء السابقون تقليدياً على إحاطات استخباريّة، لكنّ بعض المعارضين أعربوا عن مخاوفهم حيال إمكان أن يُقدم ترامب، الذي ستبدأ بعد غد محاكمته بتهمة "التحريض على التمرّد"، على كشف معلومات مهمّة.