لليوم الثاني على التوالي، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، هجومه على المحكمة الجنائية الدولية، التي أعلنت نفسها مختصة بالحكم على الأحداث في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.

ولجأ نتنياهو الى سلاحه الأقوى في العواصم الغربية، متهماً المحكمة "بمعاداة السامية" ومنتقداً رفضها التحقيق بجرائم في بلدان مجاورة مثل سورية.

Ad

وقال نتنياهو في بيان: "عندما تحقق المحكمة الجنائية الدولية مع إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وهمية، فإن ذلك يعد معاداة صريحة للسامية".

وأضاف: "المحكمة تدّعي أنه عندما تدافع إسرائيل، وهي دولة ديمقراطية، عن نفسها، ضد الإرهابيين الذين يقتلون أطفالنا ويرسلون الصواريخ إلى مدننا، فإننا نرتكب جريمة حرب"، في إشارة إلى حرب عام 2014 التي أطلقت خلالها آلاف الصواريخ من غزة إلى إسرائيل، مضيفاً في المقابل "ترفض المحكمة التحقيق في الدكتاتوريات الوحشية، مثل إيران وسورية، التي ترتكب فظائع مروعة بشكل شبه يومي".

وكانت المدعية العامة فاتو بنسودا قد طلبت الرأي القانوني للمحكمة حول اختصاصها في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وذلك بعد إعلانها في ديسمبر رغبتها في فتح تحقيق كامل ضدها.

وفلسطين عضو في المحكمة التي أسّست عام 2002، لكنّ إسرائيل ليست عضوا فيها. ودعت بنسودا إلى تحقيق كامل عقب 5 أعوام من التحقيق الأوّلي منذ حرب 2014 في غزة.

تسريع الإجراءات

واعتبر الفلسطينيون القرار "انتصاراً قانونيا". وطالب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية المحكمة الدولية بتسريع إجراءاتها القضائية في الملفات المرفوعة أمامها، والتي تتضمن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال ثلاث حروب شنتها على قطاع غزة، إضافة إلى ملفّي الأسرى والاستيطان.

من ناحيته، أشار وزير الخارجية والمغتربين، رياض المالكي، الى أن "القرار سيتيح للمدعية العامة للمحكمة فتح التحقيق الجنائي بشكل فوري".

واعترضت وزارة الخارجية الأميركية على القرار، وأعرب المتحدث باسمها عن مخاوف بلاده بشأن محاولة المحكمة ممارسة اختصاصها على العسكريين الإسرائيليين، وقال: "لقد تبنينا دائما موقفا مفاده أن اختصاص المحكمة يجب أن يشمل حصرا البلدان التي تقبله أو القضايا التي يحيلها مجلس الأمن الدولي إليها".

وفي القاهرة، رحب الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة بجامعة الدول العربية، سعيد أبوعلي، بالقرار، وقال إنه يأتي "تتويجاً للجهود الدبلوماسية التي بذلتها دولة فلسطين وبدعمٍ عربيٍ كامل وتضامن المؤسسات الدولية الصديقة في السعي الجاد والدؤوب من أجل تحقيق العدالة".

وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية قد كشفت في أغسطس الماضي عن وضع تل أبيب قائمة سريّة بأسماء المئات من ضباط الجيش والمخابرات الذين قد يتعرضون للاعتقال في الخارج، إذا فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في جرائم حرب إسرائيلية ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقالت وقتها إن القائمة تضم الآن ما بين 200 و300 مسؤول وأنها قد ترتفع.

وبحسب التقرير، تنوي السلطات الإسرائيلية إصدار أمر لكل من ورد اسمه في القائمة السرية بالامتناع عن السفر إلى الخارج. ونقلت الصحيفة عن خبراء في القانون الدولي أن المسؤولين وصناع القرار الذين كانوا بالسلطة في صيف 2014، سيكونون أول من يواجه تدقيق المحكمة، ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزراء الدفاع السابقون موشيه يعالون وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، ورئيسا الأركان السابقان في الجيش الإسرائيلي بيني غانتس وغادي أيزنكوت، ورئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي.

على صعيد آخر، وبينما تتسارع التحضيرات والتحركات السياسية في إسرائيل استعداداً للانتخابات المبكرة المقررة في مارس، والتي تعد الانتخابات الرابعة خلال عامين، برز الى الواجهة خبر "الجريدة" الذي نشرته نهاية الشهر الماضي، عن تجاهل الرئيس الأميركي جو بايدن لنتنياهو، ورفضه تلقّي اتصال منه. وبعد مرور أكثر من اسبوعين على توليه السلطة لم يتصل بايدن بنتنياهو، الأمر الذي دفع قناة "هيئة البث الإسرائيلية" (مكان) التلفزيونية إلى التعليق، مستعينة بخبر "الجريدة".

جاء ذلك بينما أشارت تقارير عربية الى أن تأجيل زيارة نتنياهو إلى الإمارات والبحرين جاء في أعقاب إشارات تلقاها مكتبه من الدولتين تفضلان إتمام الزيارة بُعيد الانتخابات. كما أشار تقرير لموقع "والا" الإلكتروني الى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اشترط لاستقبال نتنياهو في القاهرة القيام بمبادرة حسنة تجاه الملف الفلسطيني خلال الزيارة، وهو ما تخوّف نتنياهو أن يضر به انتخابياً.

وانطلقت عند منتصف ليل الجمعة - السبت الحملة الانتخابية لاقتراع 23 مارس بإغلاق لجنة الانتخابات المركزية باب الترشيح. وقدّم 39 حزبا قوائمها، لكن الاقتراع يتمحور حول شخص نتنياهو، ويتميز بمنافسة داخل معسكر اليمين لاستبداله، مع الإبقاء على حكم اليمين الذي يهيمن على السلطة منذ عام 2009.

وينافس نتنياهو على تشكيل الحكومة المقبلة رئيس حزب "تكفا حدشاه" (أمل جديد) جدعون ساعر، الذي انشق عن حزب ليكود، وكذلك رئيس حزب "يمينا"، الوزير السابق نفتالي بينيت، الذي سيكون صاحب القول الفصل في كل ما يتعلق بهوية الائتلاف الحكومي ورئيس الحكومة.

وتظهر استطلاعات الرأي أنه لا يوجد في هذه المرحلة سيناريو لاحتمال تشكيل حكومة يمين واسعة ومتينة برئاسة نتنياهو، أو يمين مركز مستقرة برئاسة ساعر، ومقابل ذلك تتعزز حظوظ نتنياهو لتشكيل حكومة بأقصى اليمين إذا قرر حزب "يمينا" الانضمام إليه.

وتؤيد استطلاعات الرأي حصول معسكر اليمين على أكثر من 80 مقعدا بـ "الكنيست" من أصل 120، أما معسكر المركز واليسار الصهيوني فبالكاد يمكنه حصد 30 مقعدا، في حين ستحصل القائمة المشتركة (العرب) التي انشقت على نفسها وستخوض الانتخابات بلائحتين على 10 مقاعد.

وتعهّد نتنياهو، في فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، أمس الأول، بتعيين مرشح عربي إسرائيلي مسلم يدعى نائل الزعبي في منصب وزير تطوير المجتمع العربي، إذا فاز الأخير بالانتخابات. وقام نتنياهو بحملة أخيراً لجذب عرب إسرائيل (عرب 1948)، وزار مناطق ذات غالبية عربية، خصوصا مدينة الناصرة الشمالية، ووعد باستثمارات ومبادرات لمكافحة الجريمة، واعتذر عن تصريحات سابقة قد تكون مسيئة. ووفقاً لاستطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، اعتبر 66 بالمئة من عرب إسرائيل أن حملة نتنياهو لاستمالتهم غير صادقة.