دخل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على خط الحراك بشأن محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ولدى استقباله قادة القوة الجوية للجيش، رسم خامنئي أمس، خريطة الطريق من وجهة نظر طهران للرئيس الأميركي جو بايدن للعودة إلى الاتفاق.

فمن جهة، طمأن المرشد الأعلى، صاحب الكلمة الفصل في النظام الإيراني، واشنطن الى أنه في حال التوصل الى أي توافقات والتزامات، فإن طهران ستحافظ عليها بغض النظر عن الجهة السياسية الموجودة بالحكومة، وأنه لا داعي للانتظار حتى الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في يونيو، لأنه في حال بقي الوسطيون المدعومين من الإصلاحيين في السلطة او تمكن الأصوليون من العودة اليها، فإن المرشد هو من سيضمن أي اتفاق مع إدارة بايدن.

Ad

لكن من الجهة الأخرى، ثبت خامنئي ما بات يعرف بـ "عقدة الخطوة الأولى". وتطالب واشنطن طهران القيام بخطوة أولى بالتراجع عن انتهاكاتها للاتفاق للعودة اليه، بينما تطالب طهران الاميركيين برفع العقوبات أولاً للعودة عن الانتهاكات.

في هذا السياق، كان خامنئي حاسماً، وأكد أن إيران لن تتراجع عن خفض الالتزامات بشأن الاتفاق النووي، إلا بعد أن ترفع واشنطن العقوبات، و"تتحقق طهران من صحة رفعها"، مشددا على أن "هذا موقف يتفق عليه جميع المسؤولين ولن يتغير أبداً".

وأوضح خامنئي: "إذا أردنا أن نتحدث بمنطقية فإن أميركا والدول الأوروبية الثلاث فرنسا وبريطانيا وألمانيا تخلت عن كل التزاماتها في الاتفاق النووي، ووضعتها تحت أقدامها، ليس من حقها أن تضع شروطاً وقيوداً للعودة، لأنها لم تنفذ أيا من هذه التعهدات".

وتابع: "إن الطرف الذي يحق له أن يضع شروطاً معينة هو إيران، لأنها عملت بكل التزاماتها، وبالتالي من حقنا أن نضع شرطاً لاستمرار الاتفاق، وقد أعلنا هذا الشرط، ولن يستطيع أحد العدول عنه" في اشارة الى شرط رفع العقوبات.

وقال إن "إلغاء العقوبات لا ينبغي أن يكون على الورق، أو بإصدار بيان".

ووصف خامنئي التصريحات الأميركية والأوروبية الأخيرة بشأن ضرورة عودة طهران لقيود الاتفاق النووي، والانخراط في مفاوضات جديدة بهدف توسيع الاتفاق المبرم عام 2015 ليشمل أنشطة طهران في المنطقة، وتسلحها البالستي الصاروخي إلى جانب ضم قوى إقليمية له كالسعودية وإسرائيل بـأنها "خاوية ولا تستند إلى أي منطق".

ورأى خامنئي أن الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية تشير إلى «أفول قوة أميركا ونظامها الاجتماعي والسياسي».

وقال إن «هدف أميركا من الحظر والضغوط القصوى هو إسقاط الجمهورية الإسلامية، حيث إن أحد حمقى البيت الأبيض أعلن قبل عامين أنهم سيحتفلون بطهران في فبراير 2019»، في إشارة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون.

وأضاف خامنئي: «الآن فإن ذلك الشخص أُلقي في مزبلة التاريخ، كما أن رئيسه (دونالد ترامب) أُخرج مفضوحا من البيت الأبيض، وبقيت الجمهورية الإسلامية شامخة ثابتة».

في موازاة ذلك، عدّ المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني حسين أمير عبداللهيان زيارة رئيس المجلس محمد باقر قاليباف، التي بدأها أمس، لروسيا بأنها تهدف إلى توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية، بالإضافة إلى أنها تركز على التطورات الإقليمية والدولية.

ولفت إلى أن قاليباف سيلتقي، خلال الزيارة، التي تستغرق 3 أيام، رئيس الدوما فياتشيسلاف فولودين وبعض كبار المسؤولين الحكوميين، وسيتم التركيز على "مبادئ العزة والحكمة والمصلحة" في السياسة الخارجية.

وأعلنت طهران، أمس الأول، أن قاليباف يحمل رسالة من خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسينقل "مواقف إيران الصريحة" حول الاتفاق النووي، وسيبحث معه بيع النفط الإيراني والعلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وعلمت "الجريدة" من مصدر إيراني مطلع، أمس الأول، أن قاليباف يعد برفع درجة العلاقات بين موسكو وطهران إلى حد حلف استراتيجي طويل الأمد، في حال تمكن التيار الأصولي المتشدد من الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة.

في المقابل، أوضح مسؤول حكومي أميركي في تصريحات لشبكة "سي إن إن"، أن هناك قلقاً متزايداً داخل إدارة بايدن، من أن أنشطة التخصيب الإيرانية الحالية قد تمنع تحقيق اتفاق نووي جديد.

وقال المسؤول إن إدارة بايدن تحاول في الوقت الحالي التوصل إلى اتفاق داخلي لكيفية تعامل واشنطن مع الملف النووي الإيراني.

وأشار إلى أن الإدارة بالفعل "رسمت الخطوط الأولى في المعركة ضد إيران" دون ذكرها.

ويأتي ذلك في وقت تسلط أوساط أميركية الضوء على أن الموقف الحالي لإدارة الرئيس بايدن من الاتفاق النووي تتبنى "مقاربة ثالثة" في التعاطي مع ملف إيران، يركز على أنه يجب على الإيرانيين، الذين انتهكوا منذ فترة طويلة القواعد الخاصة بحدود تخصيب اليورانيوم، أن يعودوا إلى الامتثال للشروط التي وافق عليها الرئيس الأسبق باراك أوباما قبل أن تسمح واشنطن بأي تخفيف للعقوبات التي فرضها ترامب بعد انسحابه من الاتفاق عام 2018.

وترجح التقديرات أن ينتهج بايدن سياسة مختلفة في التعامل مع إيران لا تكون بمثابة رد فعل لسياسة ترامب، ولا تعد استمراراً مباشراً لسياسة أوباما.

وعلى الرغم من تحدثه بلطف أكثر من ترامب، أظهر بايدن استعداداً لاستخدام العصا الكبيرة التي تركها سلفه وراءه.

وإذا كانت طهران تتوقع التساهل أو تخفيف العقوبات، فقد تعرضت لصدمة قوية هذا الأسبوع، إذ اتخذت الإدارة الجديدة موقفا متشددا بشأن محاولاتها السرية لتصدير النفط. ورفعت وزارة العدل دعوى أمام محكمة جزئية أميركية، سعت فيها إلى مصادرة مليوني برميل على ناقلة نفط يونانية قالت إن إيران تستخدمها لشحن النفط إلى الخارج.

ورغم دفع القوى الأوروبية باتجاه إحياء اتفاق عام 2015 فإن احتمال حدوث انتكاسة وتصادم يعيد العقوبات الدولية الأممية على طهران تظل قائمة بقوة، في ظل قرب انتهاء مهلة وضعها البرلمان الإيراني لرفع تخصيب اليورانيوم بشكل كبير في 20 فبراير الجاري "إذا لم ترفع العقوبات الأميركية".

تهديدات إسرائيل

من جانب آخر، حذر ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أي استفزازات تقوم بها إسرائيل، وأكد أن إيران سترد بحزم على أي تهديد أو خطأ من جانب إسرائيل.

واستعرض تخت روانجي، تصريحات أدلى بها رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي في يناير الماضي، قال فيها إنه أوعز للجيش بوضع خطط جديدة لتوجيه ضربة ضد إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي. كما انتقد عزم الرئيس الأميركي جو بايدن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني إذا ما عادت طهران إلى الامتثال للاتفاق.