شهدت الأسواق المالية أسبوعاً حافلاً آخر كانت فيه تداولات الأسهم العالمية قريبة من أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث انتعشت أرباح الشركات، وحافظت البنوك المركزية على مكانتها الداعمة وسط انتشار «كوفيد 19»، في حين يضغط الرئيس الأميركي بايدن لتسريع حزمة المحفّزات التي اقترحها. ويأتي ذلك بعد أسبوع واحد فقط من المعاناة التي عاشتها البورصة، جرّاء التصحيح القصير والحادّ الناجم عن مخاوف من قدرة الهجمات التي حفزها المشتركون في منصة ريديت، والتي استهدفت الأسهم المبيعة على المكشوف والفضّة، على زعزعة استقرار الأسواق، وإطلاق شرارة اندفاعٍ على السيولة مماثل لما شهدناه خلال المراحل الأولى من أزمة كوفيد 19 في عام 2020.
ارتفاع التضخم
وحسب تقرير لـ«ساكسو بنك»، يتجه التضخّم فعلياً نحو الارتفاع، كما يتضح من ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود، فضلاً عن الاختناقات في خطوط الإمداد والنقل العالمية، والتي تؤدي إلى ارتفاع التكاليف؛ حيث ازدادت تكاليف نقل البضائع في الحاويات من الصين إلى بقية دول العالم بنسبة بين ثلاثة إلى أربعة أضعاف، مما فرض تكلفة إضافية على أسعار السلع الغذائية المرتفعة أصلاً مثل فول الصويا والذرة. ويشكل التضخّم نقطة تركيز نثق بأنها ستواصل النموّ خلال الشهور المقبلة، لا سيما فور أن تبدأ الأرقام الرئيسية بمعاكسة الارتفاع السنوي في تكاليف الوقود، والذي بدأ في أبريل الماضي.كما شهد قطاع الطاقة أسبوعاً قوياً، حيث ارتفعت تداولات النفط الخام بنسبة 8%، وازدادت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 17% بناء على توقعات الطقس البارد والانخفاض الأسبوعي الكبير وغير الاعتيادي في المخزونات. وفي الوقت نفسه، تتجه أسعار برميل خام برنت نحو المقاومة عند 60 دولارا، بما يمثل ارتداداً بنسبة 61.8% من الذروة في عام 2018 إلى المستوى المنخفض في عام 2020. ويستند ذلك إلى تشديد السوق القائم على التوقعات بالتزام «أوبك بلس» بدعم المزيد من مكاسب الأسعار عبر تقييد الإمدادات العالمية، بينما تتحسّن توقعات الطلب مع زيادة انتعاش حركة التنقل العالمية بفضل التوصل إلى لقاح. ويبقى الطلب على المضاربة قوياً، مع دعم إضافي يتمثل في الرغبة المستمرة بالمخاطرة، والتي شوهدت في أسواق البورصة المرتفعة.عجز مستقبلي
وتستند الأسعار في السوق إلى الاعتقاد بأن انهيار الأسعار في العام الماضي، إضافة إلى زيادة تركيز المستثمرين على الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، قد تُحدِث عجزاً في المستقبل جرّاء نقص الاستثمارات الموجّهة للاستكشاف. لكن قبل الوصول إلى تلك المرحلة، ينبغي أن يشهد الطلب العالمي انتعاشاً نحو معدلاته في العام الماضي عند 100 مليون برميل يومياً، بدلاً من 94 مليون برميل يومياً في الوقت الراهن، بينما تعود «أوبك بلس» ببطء إلى مستوى إنتاج 7 ملايين برميل يومياً الذي ما زال محدوداً.وتشهد الأسواق مزيجاً من قوة الزخم والأساسيات المحفّزة لحجم قياسيّ من المضاربات في المحاصيل الرئيسية، بينما دفعت الاضطرابات المستمرّة في قطاع الشحن أسعار شحن الحبوب والبذور الزيتية نحو أعلى مستوياتها منذ أكتوبر 2019.ودفعت هذه التطورات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة للتحذير من قدرة المسار الحالي للأسعار على إحداث مشكلة كبيرة للدول الفقيرة، التي تعتمد على الاستيراد؛ حيث أظهر مؤشرها لأسعار الغذاء أطول خط ارتفاع شهري منذ عشر سنوات، بعد أن قفز بنسبة 4.3% في يناير، لإظهار زيادة سنوية تجاوزت نسبتها 10%. ووصل المؤشر، والذي يتتبّع أسعار 95 سلعة غذائية مختلفة موزّعة بين خمس فئات مختلفة، إلى أعلى متوسط شهري له منذ يوليو 2014.تراكم المراكز
وانطلاقاً من نظريات المؤامرة وقلّة معرفة المتداولين في مجموعة وول ستريت بتس على موقع ريديت، شهدت أسعار الفضّة ارتفاعاً قصيراً لم يطل أمده. وانهارت فكرة التداول بسرعة كبيرة بعد الإخفاق في اختراق عتبة 30 دولارا للأونصة. ولسوء الحظ، لم يحدث ذلك إلا بعد امتصاص 3.500 طن من الاستثمارات الجديدة في صناديق متداولة في البورصة، ومعظمها غير ظاهر الآن. وخلال ثلاثة أيام، تخطى تراكم المراكز في الصناديق المتداولة في البورصة الكمية التي تم شراؤها خلال الأشهر السبعة الماضية.وجاء الفشل نتيجة حتمية لهذا الارتفاع، نظراً لغياب الدعم القويّ من الذهب، والذي انجرّت أسعاره نحو الانخفاض رداً على ارتفاع الدولار وعائدات السندات، فضلاً عن غياب الأسباب الأساسية الموجبة لانتقال نسبة أسعار الذهب إلى الفضّة (XAUXAG) نحو أدنى مستوياتها في سبع سنوات خلال هذه المرحلة من الدورة الاقتصادية. وتراجعت النسبة نحو 62.35 (أونصة فضة مقابل أونصة واحدة من الذهب) يوم الاثنين، قبل أن تعود إلى معدلها المتوسط منذ عشر سنوات عند 70.ومع ارتفاع أسعار العملات الفضّية والسبائك الصغيرة بفضل قوة طلب التجزئة، والذي أجبر المشترين قليلي الحظّ على دفع قسط ضخم مع خسائر محتملة تتخطى السعر الفوري السائد، أشار تقرير جمعية سوق السبائك في لندن أن سوق الأسعار الفورية قد شهدت يوم الاثنين تداولات لمليار أونصة أو 28.350 طنا من الفضّة. وبالرغم من كونها أكبر ثلاث مرات قياساً بالشهور الأخيرة، قالت الجمعية: «استمرت السوق طوال هذه الفترة بإظهار السيولة والمتانة، بعيداً عن أي مشاكل مؤثرة على التداولات أو التسويات أو مدى كفاءة المزاد اليومي للأسعار».وبالرغم من الانتكاسة الأخيرة، ما زلنا متفائلين بارتفاع أسعار المعادن الثمينة. ولكن الطلب على الملاذات الآمنة قد انخفض كثيراً جراء التركيز الراهن على سرعة النمو بعد أزمة كوفيد 19. ونتوقع تجدد التركيز على التضخّم، وانعكاساً محتملاً لقوة الدولار الأخيرة باعتبارهما الدوافع الرئيسية المساعدة على استقطاب عمليات شراء متجددة للذهب، والفضّة بشكل خاص، نظراً لاستخداماتهما في التطبيقات الصناعية، ولاسيما في ألواح الطاقة الشمسية، التي يتوقع ارتفاع الطلب عليها في ظل ازدياد توجّه الحكومات نحو التحوّل الأخضر. وبعد الانهيار بنسبة 14% عن الذروة، التي وصلتها يوم الاثنين، وصلت الفضّة إلى خط الدعم قبل 26 دولارا للأونصة، حيث يعتمد الضعف الإضافي على مستوى صفقات الشراء الضعيفة، التي تحتاج إلى مزيد من التخفيض. وما زالت أسعار الذهب عالقة في توجّه نحو الهبوط من أعلى مستوياتها في أغسطس، بينما تتمثل المقاومة حالياً عند 1830 دولارا تليها 1875 دولارا. ويبقى الدعم عند أدنى مستوياته في ديسمبر، وهو 1765 دولارا، والذي يعادل ارتداداً بنسبة 50% عن الارتفاع الذي شهدته أسعار المعدن الأصفر في الفترة بين شهري مارس وأغسطس عام 2020.