رياح وأوتاد: من يحمي الدستور الكويتي؟ وتحية للأمناء
![أحمد يعقوب باقر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/125_1701277800.jpg)
ونعود الآن للسؤال وهو من يحمي الدستور من هذه الانتهاكات؟ أرى أن العبء الأول يقع على النواب أنفسهم، إذ إن عليهم التحري ودراسة مدى توافق أي تصرف أو استجواب أو تشريع مع الدستور، والاستعانة بكبار الخبراء الدستوريين بكل أمانة وعدم الخضوع لأي مطالبات سياسية تخرج عن إطاره مهما كانت تصرفات الحكومة أو الخصوم سيئة في نظرهم، حيث يقول تعالى: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، وأذكر أنه عندما قدم النائب حسين القلاف استجواباً لوزير العدل في مجلس 99 وكان متعلقاً بمناقشة قرار قضائي هب كثير من الأعضاء لشطب هذا الاستجواب ومنهم الأخ مشاري العصيمي، رحمه الله، والإخوة مشاري العنجري وعبدالله الرومي وعبدالله النيباري والإخوة الإسلاميون، وكذلك الليبراليون ولم تكن هذه الهبّة من أجل سواد عيوني، إنما كانت لحماية الدستور الذي نص على استقلال القضاء.والعبء الضروري أيضاً يقع على الحكومة، إذ يجب ألا يعتريها الخوف من بيان عدم دستورية أي إجراء مستعينة بكل الأدوات التي تملكها، وللأسف هناك من يذهب إلى أن سكوت الحكومة على هذه الانتهاكات إنما هو استدراج من أجل الصدام وحل المجلس! والعبء أيضاً يقع على أهل العلم والتخصص من الأساتذة الدستوريين، إذ إن عليهم نشر أبحاثهم وفتاواهم في الأمور المعروضة في المجلس، وما زلت أذكر فتاوى د. عثمان عبدالملك، رحمه الله، بشأن أداة الاستجواب في مجلس 1985 التي خالفت توجه كثير من الأعضاء، وفتواه في شأن التجمع في الديوانية الكويتية أثناء تجمعات الاثنين وهي الفتوى التي أخذت بها المحكمة الدستورية فيما بعد، وكذلك فتاوى الدكتور عادل الطبطبائي والآخرين من المشهود لهم بالعلم والثقة.والعبء الآخر يقع على قادة الرأي والجماعات السياسية، حيث إن عليهم توجيه النواب ووسائل الإعلام إلى الالتزام بالدستور والإصلاح من خلاله، فمهما كانت العيوب والأخطاء موجودة وهي كثيرة فإن علاجها ممكن من خلال الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها الأعضاء في الدستور، في حين لن يؤدي الإعراض عنها إلى الإصلاح المنشود.الخلاصة أن الدستور ليس مع أحد أو ضد أحد، فهو ليس مع الحكومة ولا مع الأعضاء، إنما هو دستور وُضع بالتوافق والتراضي، وأحكامه راعت الاستقرار والخصوصية الكويتية، فليس هو دستور رئاسي ولا برلماني بل هو وسط بينهما، وبالتأكيد يستطيع طرفا المجلس والحكومة تحقيق مكاسب عظيمة للشعب الكويتي بتطبيقه دون الخروج عليه أو انتهاك أحكامه.* في الأسبوع الماضي تقاعد الأمين العام لمجلس الوزراء الأخ عبداللطيف الروضان، والأمين العام لمجلس الأمة الأخ علام الكندري بعد عطاء زاهر استمر سنوات مديدة، وكانا أمينين اسماً وفعلاً، وقد لمست جانباً كبيراً من عملهما عندما كنت عضواً في مجلسي الوزراء والأمة، حيث تميز عملهما باحترام وتطبيق القوانين وتطوير العمل الجاد والنصيحة الخالصة لجميع الزملاء وتزويدهم بكل ما يؤدي الى دعم القرارات في المجلسين، فلهما كل الشكر والتقدير على كل ما قدماه في خدمة الكويت متمنين أن يستفاد من خبراتهما في مجالات كثيرة، لأن العمل الوطني لا ينقطع بالتقاعد خصوصا لمن تراكمت عنده مثلهما خبرات كثيرة ومهمة.والله الموفق.