ردد: إنها مؤامرة لا تكترثي قاوميها بالثوم والبصل، وجاءت الرسائل المتشابهة، وازدحمت بها كل صناديق التواصل من واتساب إلى ماسنجر... إلخ... إلخ. كثيرون أصيبوا بالهلع ولكن غيرهم فاحت من رسائلهم نظريات المؤامرة وروائح البصل والثوم. حل الفيروس الخبيث فجأة اخترق كل الخلايا وأثقل بحمله، ولم تكن عوارضه خفيفه كما قال لي الكثيرون من الأصدقاء والمعارف في بقاع الكون المختلفة، بل نزل بثقله من درجات حرارة مرتفعة إلى ضيق في التنفس وأوجاع في الجسد وصداع لا ينتهي ولا تسكنه حبة البندول المعتادة. ودعنا السنة بهدوء شديد ربما خوفا من إيقاظ شياطينها، جلسنا نردد ارحلي دون عودة وفي بواطن الأمور كنا نتمنى أن نكسر كل "القلل" خلفها ونردد "روحه دون رجعة"، كم كانت ثقيلة ومؤلمة بل موجعة حد الخدر، وفي اليوم الأول من العام الجديد بدأ الفيروس يدخل لنا، حلقتنا الضيقة واحد خلف الآخر، فالعدوى في المرض أسرع من العدوى في الحب مع الأسف الشديد!
كانت سنة ولا كل السنين، طويلة بل هكذا بدأت حتى خلنا أنها لن تنتهي أبدا، بل كان من الأفضل تسميتها سنوات 2020! ازدحمت فيها الآلام والأوجاع وأغرقتنا الدموع حتى أصبحت أكثر من البحيرات والأنهار الجافة في قحط أوطاننا! وفي صباح اليوم الأول من 2021 قلنا على عكس السهرانين سنصحو مبكراً، ونستقبل شمس عام جديد وحدنا، فالطرقات خاوية والمحلات مغلقة أبوابها التي بقيت حتى ساعات الصباح الأولى في هذه المدينة التي كانت تصدر الفرح، فأصبحت تبحث عن دقائق منه تستوردها أو حتى تستلفها، رحنا محاولين أن نرفع من أصوات الموسيقى لتغتسل الروح قبل الجسد وليمضي اليوم في بعض من الاسترخاء في الضحك. انقض الفيروس في أول يوم، بل ربما كان يتجول من هنا وهناك، بقي السؤال الأكثر حضوراً حتى اللحظة "من أين؟" و"كيف؟" وكل منا يعيد تذكر الأيام الخمسة الأخيرة، بل ربما العشرة أو العشرين، وبعد أيام طويلة من مقاومة لا تنتهي ليلا نهارا ضد أن يفترس الفيروس اللعين تلك الرئة أو القلب المتعبين، انخفضت درجات الحرارة وتحسن التنفس بعض الشيء ورغم أن حواس الشم والتذوق قد اختفت، فإن الحالة العامة وبعد "كفاح" و"نضال" مستمرين لأكثر من ثلاثة أسابيع قد بدأت تسترجع عافيتها، قال الطبيب لا تطرحوا الأسئلة فلا إجابات لدي ولا عند غيري، "قد تكونون أخذتم الفيروس من المصعد"، نعم المصعد أو أي مكان آخر، المهم أن عليكم إدراك أنكم دخلتم فصيلة "الناجين من كورونا" والأرقام تتكاثر وترتفع بين الذين سقطوا ضحايا لها، هو الآخر، أي ذاك الطبيب المشهور، بل ربما علينا أن نطلق عليه تسمية جديدة "الرفيق المناضل" أليست مقاومة هذا الفيروس نضالا بحد ذاتها؟ هو الآخر "قد مر بها" أو هي عبرت على جسده ثم رحلت لتتركه هزيلا ضعيفا وهو الشاب القوي.في البدء قيل احذروا كبار السن فهي تفتك بهم ومع الوقت تحول الفيروس إلى قاتل يطارد الجميع حتى الشباب والصغار.. هذا لديه أمراض مزمنه كالسكري أو الضغط أو أمراض قلب أو أمراض رئة، ولكن رددت تلك الصديقة "أنا ليست لدي أية أمراض بل أمارس الرياضة بشكل يومي وأحافظ على أكلي وشربي و... و... "أي أنها بصحة جيدة ومع ذلك راح الفيروس ينهش فيها حتى كاد يفترسها لولا أنها لحقت نفسها باستشارة ومتابعة طبيب عرف كيف يتصرف بشكل مبكر، واستطاعت أن تجد أكبر كنز في مثل تلك اللحظات، أي "الأوكسجين" الذي توفر لها في المنزل قبل أن تضطر للانتقال إلى المستشفى. خلاصة المقاومة للفيروس أنه عندما يحس الفرد بأي أعراض قد تبدو هي كما نزلة البرد أو الإنفلونزا عليه أو عليها أن يتصرفا على أنها كورونا "المجنون" بمعنى أن المرض أو أي مرض في هذه المرحلة هو كورونا حتى "يثبت براءته" منه وليس العكس، وعلى المريض ألا يغفل متابعة الطبيب وأن يتحرك سريعا، فقد يسرع الفيروس والوقت هو الآخر من العوامل المهمة في المواجهة أو "المقاومة" وعدم الاستماع لأحاديث كثير من "غير المتعلمين" أو مدعي الفهم في الطب أو نشطاء وسائل التواصل المنغمسين في "الفتاوى" الجاهزة. النصيحة الأهم ألا تتابع أخبار كورونا تفاديا للاكتئاب أو حتى في أبسط الأحوال الخوف المرضي أو الرهاب والعزلة، إنها الحرب العالمية الثالثة، فهل نقاومها بالبصل والثوم كما قاوم كثيرون في "الزمانات" الطائرات المقاتلة والصواريخ "الذكية" بالحروب الكلامية أو السيوف والمقالع ومدافع رمضان؟!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية
مقالات
وفي الشهر السادس
08-02-2021