بقي العراقيون مشغولين طوال الأسابيع الماضية بالتوتر الشديد بين رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والفصائل الحليفة لإيران، في حين شهد الأسبوع الجاري تجدداً لصراع تقليدي قديم بين نوري المالكي رئيس الحكومة الأسبق وأتباع التيار الصدري، إلى درجة دفعت الأخير إلى النزول بمسلحيه إلى الشوارع في بغداد وغيرها، فجأة دون سابق انذار.

وسبق للمالكي أن انتقد زعيم التيار مقتدى الصدر وطموحاته برئاسة الحكومة في الانتخابات المقررة الخريف المقبل، بينما ردّ المقربون من الصدر باستذكار انهيارات الجيش في عهد المالكي ودور الصدريين في إطاحته عام 2014.

Ad

وتسلط المواجهة الضوء على علاقة حرجة بين حكومة الكاظمي والصدر، إذ إنهما يتحالفان ضد المالكي والفصائل الحليفة لطهران، لكن الصدر في الوقت ذاته يدخل مواجهة مفتوحة مع حراك تشرين الشعبي المقرب من أجواء الحكومة الحالية.

وحرّك الصدر أنصاره دون سابق إنذار ليل الاثنين - الثلاثاء، بدعوى وجود معلومات عن مخطط لاستهداف أماكن شيعية مقدسة، في كل من بغداد والنجف وذي قار، وانتشر المسلحون التابعون لفصيل «سرايا السلام» التابع له، بمختلف صنوف أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، ساعات عدة، دون تسجيل مواجهة تذكر.

وتعالت أصوات مستهجنة لهذا الانتشار، وتحدثت تقارير عن استهداف لناشطين ومتظاهرين من مسلحي الصدر، رغم أن القيادات الصدرية قالت إن انتشارها «منسق مع القوات المسلحة».

واكتفى رئيس الحكومة بتغريدة رفض فيها أساليب قطع الشوارع، وحذر من الفوضى، وانتقد التجاوز على هيبة الدولة.

ويريد الصدر فرض شروطه مستنداً إلى جمهور شبه ثابت في معظم مدن الجنوب، ويضع قواعد عمل صارمة مع شركائه، ويصمم خطة للاقتراع المقبل؛ لا يريد أن يعكر صفوها شيء.

ويقول مقربون منه، إن الصدر مثل باقي الأطراف الشيعية، يتكيف بصعوبة مع تحولات في البيئة السياسية جاءت إثر «حراك تشرين» منذ أكتوبر 2019 ، أضيف إليها عامل جديد هو مجلس الأمن الدولي، الذي يستعد لإصدار مواقف أو قرارات لحماية الانتخابات المقبلة من التلاعب ومحاولة توفير بيئة عادلة، وهي رقابة قد تصل حد الإشراف على التفاصيل التشريعية والتنفيذية، وأثارت اعتراضات واسعة من الأحزاب، لولا أن مرجعية النجف طالبت بدور أممي لحماية فرصة التغيير.

ويذكر ساسة ومراقبون، أن الحراك الشعبي المعارض أسقط معظم قواعد العمل التقليدية، غير أن القواعد الجديدة لم تنضج بعد، كما أن دخول العامل الدولي وسط تغيّر الإدارة الأميركية، جعل حالة من عدم اليقين تهيمن على المشهد السياسي في عراق يعيش كذلك أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ سقوط النظام السابق.

وتستبعد الأوساط السياسية أن تؤدي التوترات إلى احتراب داخلي، إذ لا أحد يمكنه حالياً دفع فاتورة مرتفعة الثمن، كما أن البلاد تستعد لاستقبال بابا الفاتيكان بعد نحو شهر ليزور الكنائس القديمة في العراق وبيت إبراهيم الخليل في ذي قار ويلتقي المرجع الديني الأعلى علي السيستاني في النجف، وهي الزيارة التاريخية الأولى المؤجلة منذ نحو 20عاماً، وتتطلب تهدئة فوق العادة.

بغداد ـ محمد البصري